دعت وزارة الأوقاف إلى الصلاة على الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في جميع المساجد بعد صلاة اليوم الجمعة لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس دقائق.
ولاقت الدعوة صدى واسعًا وتجاوبًا بين رواد وسائل التواصل الاجتماعي، فيما رفضها البعض بزعم أنها "بدعة"، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أيًا من الصحابة قام بها.
وردت دار الإفتاء المصرية بأن "الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من أفضل الذِّكر وأقرب القربات، وأعظم الطاعات؛ فقد فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: {مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا} (أخرجه مسلم).
الصلاة على النبي من العبادات المطلقة المشروعة
وقالت إن ذِكر الله تعالى والصلاة على نبيِّه من العبادات المطلقة المشروعة في الأصل بدون تقييد؛ فتصح على كل هيئة وحال في أي وقت -إلا ما جاء النهي عنه- وكذلك تجوز سرًّا وجهرًا فرادى وجماعات بكل لفظ وصيغة مشروعة، والاجتماع على الذكر المشروع يعدُّ من قبيل التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
ودللت بما ورد في ورد القرآن الكريم والسُّنة المطهرة على الحثِّ على مجالس الذكر، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28] وامتثال الأمر بمعية الداعين لله يحصل بالمشاركة الجماعية في الدعاء، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأٍ ذَكَرْتُهُ فِي ملأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» متفق عليه، والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر.
اظهار أخبار متعلقة
وورد في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» (رواه مسلم).
وفيما أشارت إلى أن البعض قد يحتج على عدم مشروعية الذِّكر الجماعي بما جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ما يفيد النهي عن رفع الصوت بالذِّكر، قالت دار الإفتاء إن هذا لا يصح عنه.
واستشهدت بقول ابن حجر الهيتمي في [الفتاوى الفقهية الكبرى 1/ 177]: "وأما ما نُقل عن ابن مسعود أنه رأى قومًا يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد؛ فلم يصح عنه بل لم يَرِد".
وجاء في [حاشية الطحطاوي ص318]: "وأجمع العلماء سلفًا وخلفًا على استحباب ذكر الله تعالى جماعةً في المساجد وغيرها من غير نكير، إلَّا أن يشوش جهرهم بالذكر على نائم أو مصلٍّ أو قارئ قرآن"، وجاء في [رد المحتار 6/ 398]: "وقد شبَّه الإمام الغزالي ذِكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد، وأذان الجماعة؛ قال: فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد كذلك ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرًا في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص واحد".
وقد نُقل عن علماء الشرع الشريف ممَّن يعتدُّ بأقوالهم استحبابُ تخصيص يوم الجمعة وليلته بالإكثار من الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم الإمام ابن قدامة الحنبلي؛ وذلك لما رُوي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» أخرجه ابن ماجه.
الجهر بالصلاة على النبي
وقالت دار الإفتاء: "وإيقاع تلك العبادة جهرًا بعد أي صلاة مكتوبة – فضلًا عن كونها صلاة جمعة - أمر مشروع ولا حرج فيه؛ فقد ورد الأمر الربَّانيُّ في الذِّكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا ٱللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103]، والمُطْلَق يُؤْخَذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّده في الشرع".
وتابعت: "وما قد يطرحه البعض من إشكالية تخصيص أوقات معينة للعبادات ويعد ذلك من أبواب البدع، فهذا وهم وغلط في الفهم، فقد نصَّ أهل العلم على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة".
وأوردت دار الإفتاء قول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 69) وهو يتكلَّم على حديث ابن عمر رضي الله عنهما في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي مسجد قباء كلَّ سبتٍ ماشيًا وراكبًا: "وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك".
وقالت: "نرى الناس حاليًّا يخصصون يومًا بعينه أو ساعة بعينها للجلوس لحفظ القرآن -مثلًا- وتدارسه من غير إنكار، فما الفارق بين تخصيص وقت لمُدارسة القرآن وتخصيص وقت آخر لذكر الله تعالى والصلاة على رسوله؟".