أرسل الله نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فهو الشفيع المشفع والنور المبين، وبعثه صلى اله عليه وسلم أمنا وامنا للامة بل للبشرية كلها.
وجود الرسول رحمة بالأمة:
ورحمة الرسول بأمته أن الله جعله سبب وقايتهم من العذاب سواء في حال حياته كما قال تعالى فقال بعضهم: تأويله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ، أي: وأنت مقيم بين أظهرهم. قال: وأنـزلت هذه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة. قال: ثم خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم, فاستغفر من بها من المسلمين, فأنـزل بعد خروجه عليه، حين استغفر أولئك بها: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) . قال: ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم, فعذّب الكفار.
الاستغفار هو المنجي من العذاب:
وتبقى تعليماته صلى الله عليه وسلم بكثرة الاستغفار بعد رحيلة هي المنجية من عذاب الله بعد رحيله بأن الله وعده ألا يهلك امته بعذاب يستأصلهم فمن أسباب رفع عذاب الاستئصال بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إليهم، ورحمته بهم، ودعاؤه لهم، ولذلك وصف في الإنجيل بأنه "حرز للأميين" كما قال عطاء بن يسار: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة؟ قال: " أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}، وحرزا للأميين ... الحديث. رواه البخاري.
قال المظهري في شرح المصابيح: قوله: "وحرزا للأميين": معناه: أنه من جملة صفاته المذكورة في التوراة أنه -صلى الله عليه وسلم- بعث حفظا لأمته من عذاب الاستئصال.
الرسول رحمة للعالمين:
معلوم ان الله بعث نبيه رحمة للعالمين أنسها وجنها مسلمها وكافرها يقول القاري في (مرقاة المفاتيح): "إنما بعثت رحمة" أي للناس عامة، وللمؤمنين خاصة ... لقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. قال ابن الملك: أما للمؤمنين فظاهر، وأما للكافرين فلأن العذاب رفع عنهم في الدنيا بسببه، كما قال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} أقول: بل عذاب الاستئصال مرتفع عنهم ببركة وجوده إلى يوم القيامة.
وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: سأل أهل مكة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي الجبال عنهم، فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم، قال: " لا، بل أستأني بهم " فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة} [الإسراء: 59]. رواه أحمد وصححه الحاكم والألباني.
العذاب بالاستئصال انتهى بنزول التوراة:
وقد انتهى العذاب بالاستئصال بنزول التوراة على سيدنا موسى عليه السلام يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (الجواب الصحيح): كان قبل نزول التوراة يهلك الله المكذبين للرسل بعذاب الاستئصال عذابا عاجلا يهلك الله به جميع المكذبين، كما أهلك قوم نوح، وكما أهلك عادا، وثمود، وأهل مدين، وقوم لوط، وكما أهلك قوم فرعون، وأظهر آيات كثيرة لما أرسل موسى ليبقى ذكرها وخبرها في الأرض، إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال، بل قال تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} بل كان بنو إسرائيل لما يفعلون ما يفعلون من الكفر والمعاصي يعذب بعضهم، ويبقى بعضهم، إذ كانوا لم يتفقوا على الكفر ... وكان من حكمته ورحمته -سبحانه وتعالى- لما أرسل محمدا أن لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال، كما أهلكت الأمم قبلهم، بل عذب بعضهم بأنواع العذاب، كما عذب طوائف ممن كذبه بأنواع من العذاب؛ كالمستهزئين الذين قال الله فيهم: {إنا كفيناك المستهزئين} [الحجر: 95]. اهـ.
وقال أيضا: المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم، كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار، كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة.