هل للإنسان أن يستمر في محاسبة نفسه بعد التوبة؟.. سؤال يقع فيه كثير من الناس بالخطأ، دون أن يشعروا، إذ أن العبد الذي تاب من شيء عليه ألا يتذكره ثانيةً، فلماذا يُحاسِب نفسه على شيء غير موجود.. ولماذا يتذكر الماضي ، خصوصًا أن الدنيا ليست مكانًا للمحاسبة.. ألا يعلم هؤلاء أن هذه الذنوب بدله الله بها حسنات؟.
فلماذا يلوم نفسه عليها، وقد جاءه من الله فيه البشرى والفرح؟!.. وبدلا من أن يقول (شكرًا لله على هذه التوبة) وأن يفرح بعطائه، يتذكر المنن ، وكأن الله لم يعطه شيئًا.. فليعلم هؤلاء أن هذا الأمر اسمه (مقام الكفر المعنوي)، يعني التغطية على الأفعال الطيبة، ذلك أن الله عز وجل يخاطب من صدّقوا أن كلامه حق وأنه يتوب على الناس، ومن ثمّ عليهم ألا يفكروا مجرد تفكير في ذنوبهم، لأنها باتت من الماضي.
التوبة تطهر صاحبها
وليعلم الجميع أن التوبة هي التي تطهر صاحبها مستقبلاً من أن يعود إلى الذنب الذي وقع فيه، وهذا لا يكون إلا بالصدق مع النفس، أما إن عاد إلى مثل الذنب الذي تاب عنه فإنه يتأكد عليه الوجوب أن يتوب مرة أخرى، وليعلم أن توبته الأولى لم تكن نصوحًا بل كانت توبة مريضة تحتاج إلى توبة أخرى أقوى.
لكن إذا التزم بتوبته، ولم يعد إلى الذنب، فليعلم أنه ليس بحجة لتذكر ذنبه مجددًا، وإنما عليه السير فيما يفعل من أفعال طيبة من قيام ليل وصلاة في وقتها، وزكاة وصدقات وغيرها من الأمور التي ترفع درجته عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك، فالإنسان السوي هو الذي يراجع نفسه ويحاسبها أولاً بأول، لكن دون العودة في التفكير في الذنب وكأنه مازال يلاحقه.
وهنا يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم" .
اقرأ أيضا:
كيف تستعد ارمضان من الآن؟.. تعرف على أهم الطرق والوسائلفضيلة محاسبة النفس
بالتأكيد محاسبة النفس فضيلة، لكن ليس لأن يقف الإنسان عندها، ويتصور أن الله لم يقبل توبته بعد، فالله يقبل التوبة من عباده ما لم يغرغر، وطالما تاب العبد وأناب إلى الله توبة نصوحًا، فلا يشغل باله بما فات، وليركز فيما هو آتٍ، قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» (الشورى 25)، وقد وعد الله تعالى من تاب إليه توبة نصوحًا أن يقبلها منه، ويعفو عن سيئاته، قال الله تعالى: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (التوبة 104)، والتوبة النصوح هي التي استوفت شروط التوبة المعروفة، وهي الإقلاع عن المعصية حياء من الله لا من الناس، والندم على فعلها في الماضي، والعزيمة على ألا يعود إليها أبدًا، والبراءة من حق صاحبها إن كان فيها حق لآدمي، ومادام العبد حقق هذه الشروط فعليه أن يمر من هذه الفترة، وأن يحافظ على ما استجد به من حياة طيبة وصالحة.