كثير من الناس يتصور أن قبول (العوض) ليس من الإسلام، وقد يعتبره البعض (عيبًا) ، فيما يصل عند البعض بأنه (عار) يطارد صاحبه العمر كله، بينما يراه آخرون (لعنة) لا تترك صاحبها أبدًا، بل يصل الأمر حد اعتبارها أنه من أخذ هذا (العوض) سيتعرض لحادث أليم لا محالة.
لكن هذه الأمور كلها لا علاقة لها بالدين ولا بالمنطق في شيء، لأن قبول (العوض) يعود لصاحبه، فإن تركه لوجه الله، عوضه الله لاشك خيرًا منه، وإن طلبه لا عليه أي غبار، فالإسلام يوجب على الإنسان إذا أتلف شيئًا لأخيه فعليه إصلاحه، أو يدفع له قيمته، سواء كان ذلك عن طريق الخطأ أو التعمد.. إلا أن "العفو أقرب للتقوى"، "فمن عفا وأصلح فأجره على الله".
مشروعية التعويض
النصوص الشرعية من الكتاب والسنة دلت على مشروعية التعويض عن الأضرار، ومن ذلك قوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» (البقرة:194)، وقوله سبحانه أيضًا: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» (النحل:126)، وقوله سبحانه: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» (الشورى:40).
وقد نص المفسرون على أن هذه الآيات وما في معناها تدل على جواز أخذ التعويض، وفي ذلك يقول الإمام ابن جرير رحمه الله: «إن أخذ منك رجل شيئًا فخذ منه مثله»، كما دل على مشروعية التعويض أيضا، قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناقة البراء بن عازب، فعن حرام بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطًا فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها».
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةحكم سليمان
أيضًا مما يدل على مشروعية التعويض عن الضرر تلك الحادثة التاريخية التي حكم فيها داود وسليمان عليهما السلام بالتعويض لصاحب الزرع الذي تضرر من نفش الغنم فيه، وقد سجلها القرآن الكريم حيث قال الله سبحانه: «وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ» (الأنبياء:78).
وخلاصة القصة، أن غنماً لرجل رعت ليلاً في زرع آخر فأتلفته، فاحتكما إلى داود عليه السلام، فقضى بتسليم الغنم إلى صاحب الزرع تعويضًا له عما لحقه من ضرر، وجبرًا للنقص الذي أصابه، وحكم سليمان عليه السلام بأن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، ويدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم فيها في السنة المقبلة رد كل واحد منهما المال إلى صاحبه، فأعجب داود عليه السلام بحكم سليمان عليه السلام وأنفذه، كما دلت السنة المطهرة على مشروعية التعويض.
ومن ذلك ما رواه البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه طعامًا في قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها فكسرتها، وألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طعام بطعام، وإناء بإناء»، وفي لفظ: فقالت عائشة: يا رسول الله ما كفارته؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إناء كإناء، وطعام كطعام».