مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد قاصرة على أن تكون مجرد منصات للاتصال، أو نشر تفاصيل الحياة الشخصية، بكل مخرجاتها، بقدر ماهي تهتم بتصيد أخطاء الناس والتجريح بهم وبحياتهم الشخصية، ومحاسبة كل صغيرة وكبيرة على منصات التواصل، وانتقاد أصحابها، بتفاصيل حياتهم الشخصية، سواء كان المنشور مقصودا أو عفويا غير مقصود.
فريقان من الملائكة والشياطين
وعلى الرغم من أن هناك بعض اللقطات العفوية التي يتم نشرها على منصات التواصل، من خلال التواجد في أماكن عامة، أو الحديث بشكل عفوي لم تعد حسابا له، أو الظهور بطبيعتك سواء كنت ذكيا مبدعا، أم كنت متوسط التعليم غير ملم بمهارات الكلام والتصرف في المواقف المحرجة.
ترى الكثير من نشطاء مواقع التواصل يترصدون لبعض وأدق تفاصيل حياة الغير، بالرغم من ظهور هذه المواقف بشكل عفوي، ينم عن بساطة صاحب الموقف المنشور، أو تدني مستوى تعليمه، ومع كونه أحد البسطاء، إلا أنه قد يفاجأ بانتشار أحد الموقف المصورة له، سواء كان غاضبا أم راضيا، راقصا أم حزينا، وحدوث حالة من الجدل حول حركاته وسكناته، وكأنه يقف أمام الملكين الذين يكتبان له كل ذرة من حسناته وسيئاته.
ليتحول مجتمع الفيس بوك ومواقع التواصل، إلى من فريقين، أحدهما يرى نفسه فريق من الملائكة يحاسب فريقا من الشياطين.
وتناسى هذا المجتمع الافتراضي الذي يعيش في خواء هذا العالم الذي فرضه على نفسه، أن الناس بكل مستوياتهم الاجتماعية، والذين يقعون في دائرة اهتمامك لا يخلون من الهفوات، وهذا شيء طبيعي، فنحن بشر نخطئ ونصيب، ومن مِنا لا يخطئ! فكيف بالناس الذين يقعون في الدوائر البعيدة عن مركز الاهتمام، والذين يتصرفون بعفوية على صفحاتهم، لتدني مستوى تعليمهم، أو عدم إلمامهم بمهارة التواصل والحديث.
فلماذا نضع تلك الهفوات الصغيرة تحت المجهر ونُكبرها عدة مرات، في الوقت الذي تنتشر فيه برامج التواصل في دنيا الناس وتنشر أدق تفاصيل حياتهم، فشتان بين من ينشر كلمة طيبة أو يدعو لفضيلة على مواقع التواصل، وبين من يجلس كل يومه ماسكا بهاتفه ليتصيد أخطاء الغير، ويتتبع عورات الناس.
وغدا البعض منهم يتتبع الزلات والهفوات، وينشرها بين الملأ، مما جعل فئات كثير من أفراد المجتمع على اختلاف أهوائهم ومذاهبهم يطيرون بها فرحا، ويتداولونها في مجالسهم وفي وسائل التواصل، لتسيطر حالة من الفضيحة على بيوت المسلمين، والتعرض لسلوكياتهم وابتزازهم والسخرية منهم، حتى أصبحت مشكلتنا اليوم مع بعضنا البعض أن البعض منا أخذ يحشْد الهمّة في تصيّد العثرات والهفواتِ والسَّقَطَات من غير عناية بمقاصد الألفاظ وإحسان الظنّ بقائلها، فكانت الكراهية والحقد بين المسلمين هي صاحبة الكلمة العليا.
اقرأ أيضا:
كيف تستعد ارمضان من الآن؟.. تعرف على أهم الطرق والوسائلمن تتبع عورة الناس تتبع الله عورته
وفي هذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه؛ لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله"، رواه الترمذي عن ابن عمر.
فشتان بين من يتتبع عورته ويتصيد كلماته وعباراته بشر من البشر، وبين من يتتبع الله عز وجل عورته.
فكلنا أصحاب هفوات وكلنا معاص وغفلات، والله هو من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والبشر قد يتزين لهم في لحن القول، "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا"، فلا ينبغي أن يكون همك تتبع الثغرات والزلات ونشرها في كل واد والسخرية منها.
فتصيد الأخطاء لذاتها لا للإصلاح طريق ينبئ عن قلة دين وفساد قصد، قال ابن القيم رحمه الله: «ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسان، حتى يرى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يزل منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات لا يبالي ما يقول".
ويقول ابن تيمية رحمه الله "إن بعض الناس لا تراه إلا منتقدا داء، ينسى حسنات الطوائف والأجناس ويذكر مثالبهم فهو مثل الذباب يترك مواضع البرد والسلامة، ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج".
فالمسلم مطالب بالنقد البناء، وعدم السخرية من الأخرين، وعدم تتبع عوراتهم وأحاديثهم، وكل صغيرة وكبيرة لهم، خاصة إذا كانوا من عامة الناس، فهل هفواتك محصنة من التصيد.
يقول النبي ِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ».
والتصيد؛ خطوة من خطوات الحقد والكراهية والبعد وغرس روح الفرقة والتفرق، و من الأجدر والأفضل بدلاً من التصيد هو النصح، خاصة وأن تصيد أخطاء الآخرين وزلاتهم، دليل واضح على القصور في الفهم، والسلوك السلبي الذي نهايته الفرقة بين من تجمعهم وجهات واحدة وعلاقة إنسانية مستدامة والبحث عن المشاكل.
يقول ابن الجوزي: «ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله وأحبابه وأصحابه وزملائه كي تحلو مجالسته وتصفو عشرته».