لا يملك الإنسان أن يعلم حقيقة قبول الله لأعماله من عدمه، ذلك أنها مسألة غيبية اختص بها نفسه، فلا يملك إنسان مهما بلغ درجة إيمانه وكثرت طاعاته أن يتعرف حول ما إذا كان الله تعالى قد كتب لها القبول من عدمه.
إذ الطاعة لا توجب لصاحبها ثوابا على الله تعالى، وإنما يتفضل الله على من شاء من عباده، لحديث البخاري: لن يُدخل أحدًا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا..."؟.
وقال علي رضي الله عنه: "لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول"، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ" (المائدة:27). وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك".
والعلماء ذكروا أن هناك علامات على قبول العمل الصالح أن يوفق العبد لعمل صالح بعده، ويستقيم على ذلك في غالب أحواله، فالأعمال الصالحات التي يتقبلها الله من عباده، هي مثل شجرة طيبة لا تنبت إلا طيبًا، فتجد العبد يقبل الله ولا يمل من أفعال الطاعات التي يزداد بها قربًا إليه، "وما تقرب عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه...".
ومن علامات القبول عند الله أيضًا، أن العبد إذا تاب عن معصية لم يعد إليها، وحسنت توبته، فكانت الطاعة أحب إليه من أي شيء آخر، وكانت المعصية هي أكثر من يبغضه، وذلك لا يكون إلا لمن أخلص الله في توبته، وعقد العزم والنية على عدم المعصية.
كذلك التقوى هل من علامات القبول، فإن الله تعالى يقول: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين" (المائدة:27)، والتقوى هي "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وسئل الإمام أحمد عن معنى المتقين في هذه الآية، فقا: "يتقي الأشياء فلا يقع فيما لا يحل له".
وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا من العمل"، وخير العمل أدومه وإن قل، إذ العبرة ليست في كثرته، دونما أن يترتب عليه خشوع في قلب، فلا بد أن يكون هناك أثر ملموس لها.
والتواضع لله من علامات قبول العمل، فلا زهو ولا فخر، ولا اختيال في العبادة، يقول ابن عطاء الله السكندري (رحمه الله): "رب معصية أورثت ذلاً وانكسارًا خير من طاعة أورثت عزًا واستكبارًا"، فالكبر هو من سمات الشيطان، وهو الذي أخرجه من النار.
والله تعالى يقول لنبيه: "ولاتمنن تستكثر"، أي لاتمنن بعملك على ربك تستكثره، يقول الإمام ابن القيم: "كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله".
وحقيقة العبادة لله، هي أن يكون المؤمن بين الخوف والرجاء. إذ إن الخوف من الله لا يكفي، إذ لابد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله.
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون: 60)، أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات".
اقرأ أيضا:
أدرك عمرك قبل فوات الأوان بهذه الطاعاتكما أن من علامات القبول، التيسير للطاعة والإبعاد عن المعصية، فإن الله تعالى إذا قبل منك الطاعة يسَّر لك أخر, وأبعدك عن المعاصي، قال تعالى: "فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" (الليل:10).
تحقيق الغاية من العبادة، فعن شعيرة الأضحية قال الله تعالى: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ"، إذن تقوى الله هي المقصودة، وعن الصلاة قال: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ “، فالغاية من إقامة الصلاة أن تنهك عن الفحشاء والمنكر، وعن الصيام قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، فالغاية منه التقوى، ولو وفق الله الإنسان إلى تلك الغايات، فإن ذلك من علامات القبول.
حب الصالحين وبغض أهل المعاصي، وكان الإمام الشافعي يقول:
أحب الصالحين ولست منهم *** وأرجو أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي *** وإن كنا سواء في البضاعة
فقال له الإمام أحمد بن حنبل:
تحب الصالحين وأنت منهم *** رفيق القوم يلحق بالجماعة
وتكره من بضاعته المعاصي *** حماك الله من تلك البضاعة
وابن عطاء الله السكندري يقول: "إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك".
اقرأ أيضا:
"أسد هنا ومنافق هناك".. كيف تكتشف محترفي النفاق وتتعرف على صفاتهم الحقيقية؟