متذبذب في قراراتك.. روشتة نبوية لاستعادة ثقتك في نفسك
بقلم |
أنس محمد |
الجمعة 05 يناير 2024 - 11:34 ص
يمر الكثير من الناس في الأيام الحالية، بحالة من التذبذب في اتخاذ القرار، نتيجة ضعف الثقة في النفس، وانشغال العقل بالتفكير في المستقبل، والخوف من المجهول، والسعي وراء لقمة العيش، والرعب من التعرض لبعض النتائج السلبية التي قد تحدث خلف القرار الخاطئ، الأمر الذي يؤدي إلى حالة من الشتات الذهني، حتى في أبسط الأشياء.
أسباب التذبذب في القرارات
وتتمدد هذه الحالة الذهنية المشتتة، لضعف الرؤية العقلية في اتخاذ القرار تجاه بعض العادات اليومية، فقد ترى نقاشا يوميا بين الزوج والزوجة حول نوعية الطعام الذي سيجهزونه لأطفالهم، فقد ترى أكثرنا وهو يناقش شريكه في المنزل لأكثر من ساعة حول وجبة طعام اليوم، كما قد تستهلك الكثير من الوقت في التفكير حول النزول لأصحابك على المقهي، أم تعتذر لهم، وربما تقضي اليوم كاملا في التفكير، لتتخذ قرارا حول إجراء مكالمة هاتفية تعتذر فيها لمديرك في العمل عن خطأ في وظيفتك أو الاعتذار عن المجيئ.
إلا أن هناك بعض القرارات الهامة التي تحتاج لثقة في النفس ودقة في الاختيار، مثل اختيار شريك الحياة، وبناء القرار على معطيات ثابتة، ومدروسة حتى لا يصاب صاحبها بخيبة أمل في سوء اختياره، ومنها اختيار تعليم الأبناء، واختيار محل السكن الذي ستتزوج به، واختيار الوظيفة الأصلح لك، واختيار الكلية التي تدرس بها، واختيار المدرسة التي تعلم بها أبناءك، واختيار أشياء كثيرة تحتاج إلى الثقة في النفس، وعدم تذبذب اختيار القرار، وبناء القرار على أفكار مدروسة، ثم التوكل على الله في الاختيار المناسب الذي تراه صالحا بحسب معطياتك والمعلومات التي في يديك.
ومن أسباب عدم القدر على اختيار القرار المناسب، هو عدم دراسة صاحب القرار لمعطيات اختياره بشكل علمي، وتركها لعشوائية التفكير وللصدفة، الامر الذي يؤدي إلى نتائج سلبية، ومن ثم اهتزاز الثقة في النفس، واهتزاز قدرتك على اختيار القرار المناسب، نتيجة تشوهات أفكارك، وترك الأمور للصدفة، وعدم الثقة في تفكيرك، فضلا عن ضعف الإيمان بالله، وسوء تقديرك للأمور من حولك، وحرصك الشديد بل والمبالغ فيه على المستقبل، فضلا عن الاعتماد على المعطيات العلمية التي تبني عليها قرارتك.
روشتة نبوية
عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قال يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
روشتة و ملامح تربوية من النبي نغرس بها في نفوسنا تلك الثقة المفقودة، من خلال معطيات إيمانية، مبنية على حسن الظن في الله، والتوكل عليها بعد الأخذ بالأسباب، [ إذا سألت فسأل الله .. وإذا استعنت فاستعن بالله ]، وهنا غرس الرسول في التوكل على الله، والتوكل أيضًا لا يخرج إلا من نفس واثقة، فكانت تلك الكلمات تطبيقا عمليا لتنمية الثقة في النفس التي بدأها الرسول قبل نطقه لتلك الكلمات.
ويأتي ختام الكلمات [ واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ]، قاعدة لمن يثق في نفسه وفي اختياراته، امض ولا تلتفت لتدبير البشر، فقد دبر الله – عز وجل – الأمر، ورفعت الأقلام وجفت الصحف، فامض في طريقك واثقاً في تدبير الله لك.
فبتلك الكلمات الذهبية استطاع خير البشر زرع ثقة في نفوس أصحابه، فخرجوا غير عابئين بما سيلقونه من صعاب، فأضاءوا الدنيا بنور إيمان قلوبهم، ونحن الآن في أمس الحاجة لمثل أولئك الواثقين من أجل توظيف إمكانياتك وقدراتك التوظيف الأمثل، وتحقيق الأهداف في المستقبل؛ لكي تشعر بالاستقرار والطمأنينة والإحساس بالسعادة، والاستمتاع بلذة النجاح.
فالفرد غير الواثق في نفسه يجد في نفسه ضعفًا عند مواجهة المواقف الحرجة، وربما يشعر بالإحباط والتثبيط عند مواجهة مواقف عادية، وقد يفسرها على أنها مستحيلات يصعب تجاوزها، كما أنه لا يستطيع إدارة ذاته، وقد يعاني من الانسحاب والهروب وخاصة في المواقف الحرجة، وفقد القدرة على التواصل الجيد مع الآخرين، حيث إن لديه حساسية شديدة، ويفسر كثيرًا من الأشياء العادية التي يتعرض لها على أنها محبطة أو مهينة لكرامته.
كما أن فقدان الثقة تؤدي للشعور بالإحباط والعجز، و حتى نتبع المنهج النبوي في الثقة بالنفس، نشير أن هناك مجموعة من العوامل التي تدعم الثقة بالنفس لدى الفرد، وأهما:
- النهي عن تحقير الذات : ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي. ومعنى لقست أي: غثت أو ضاقت؛ وفي هذا الحديث نهي عن تحقير الإنسان لنفسه.
-الرسائل الإيجابية : كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجه الرسائل الإيجابية إلى من حوله من الصحابة ليلفت نظرهم إلى الإيجابيات التي لديهم، والصفات الحسنة التي تميزهم؛ هذا مما يكون له أكبر الأثر في تكوين مفهوم إيجابي عن الذات.
ـ توظيف الطاقات : قدم سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه إلى المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة وما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم في بدر ولا في أحد، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق، وكان حينئذ ابن خمس عشرة سنة، ولما رده النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد أسر سيدنا زيد لأمه أن يتقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلزمه، فأخذه رجال من قومه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا له هذا ابننا زيد بن ثابت يحفظ سبع عشرة سورة من كتاب الله ويتلوها صحيحة كما أنزلت على قلبك، وهو فوق ذلك حاذق يجيد الكتابة والقراءة، ويريد أن يتقرب إليك ويلزمك فاسمع منه إذا شئت، فسُرّ به النبي صلى الله عليه وسلم لحفظه وحسن تلاوته ووعيه وفهمه لآيات القرآن، فتخصص في القرآن وأصبح المرجع الأول فيه لأمة محمد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
-يعرف طريقه ويخطط لحياته، فالواثق من نفسه يعرف طريقه جيداً ـ ويخطط لكل أمور حياته ، ويحدد أهدافه بكل دقة ، فلا يدع غيره يفكر له ، ولا يترك نفسه للظروف ، لأنه هو الذي يصنعها وليست هي التي تصنعه ، ولقد وصف الله هؤلاء في كتابه الكريم فقال { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } سورة الملك : آية : 22 .
- لا يسمح للقلق أن يدمر حياته، فالقلق يفقد الإنسان سكينه النفس وأمنها ورضاها ، ويجعله يتحسر على ماضيه ، ويسخط على حاضره ، ويخاف من مستقبله ، ويستسلم لآلامه وأحزانه وحسراته على ما فاته.
- إيجابي يبادر ولا يتردد، قال تعالى :{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } سورة آل عمران آية : 110.
ولقد ربى الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على الايجابية وعدم السلبية فأمر المسلم بأنه إذا رأى منكراً بأن يغيره قدر استطاعته ( بيده ، أو بقلبه ، أو بلسانه ) لأنه مسئول وكل واحد مسئول عن نفسه وعمن يعول .
- طموح ذو همة عالية
- لا يغضب ولا يحقد، قال تعالى { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } سورة آل عمران آيات : 133 – 134 . .