تفتقد الكثير من المساجد للهدوء الذي ينبغي أن تنعم به بيوت الله، والتي وصفها الله عز وجل بأنها "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)النور، وذلك نتيجة حالة الشجار والصراع التي تحدث بين المصلين لأتفه الأسباب، سواء كان على الوقوف في الصفوف الأولى، أو استعجال المؤذن بإقامة الصلاة لانصرافهم لمتابعة أعمالهم، إلا أن أهمها اختيار الإمام الذي يؤم المصلين في الصلاة، ومن هو الأحق بالإمامة، وتدخل المصلون في اختيار الإمام وطريقة أدائه، والوقت الذي يستغرقه لإقامة الشعائر.
ومن المؤسف أن تجد بعض المساجد خالية من حفظة القرآن الكريم، فيتدافع الناس على الإمامة، بأن يرفض كل واحد منهم تحمل المسئولية وإلصاقها بغيره، وهذه من علامات الساعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فلا ينبغي التدافع على الإمامة؛ إذ قد كرهه أهل العلم، وقالوا إن على الأحق بالإمامة أن يتقدم، فقد قال أبو داود في سننه: باب في كراهية التدافع على الإمامة، وذكر في الباب حديث سلامة بنت الحر أخت خرشة بن الحر الفزاري قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماما يصلي بهم. ورواه ابن ماجه وأحمد والطبراني والبيهقي.
قال الإمام المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: أَي يدْفع بَعضهم بَعْضًا لِيَتَقَدَّم للْإِمَامَة، فَكل يتَأَخَّر (وَلَا يَجدونَ إِمَامًا يُصَلِّي بهم) لقلَّة الْعلم، وَظُهُور الْجَهْل، وغلبته. وَفِيه أَنه لَا يَنْبَغِي التدافع للْإِمَامَة، بل يُصَلِّي الأحق. انتهى.
وقد نص الشرع على أن الإمامة فرض كفاية، يقوم بها أحد المصلين، أما إذا رفض المصلون الدخول للإمامة أثم الجميع.
وسهل الشرع الشريف على الناس إمامتهم للصلاة، فيكفي أن تكون تلاوة الإمام للفاتحة خالية من اللحن الجلي الذي يحيل المعنى، وأن يكون عالما بما يلزم من أحكام الطهارة والصلاة، فلا إثم عليه في التقدم لإمامة المصلين، بل هو مأجور.
اظهار أخبار متعلقة
هناك شروط متفق عليها بين العلماء فيمن يأمّ الناس في الصلاة وشروط الإمامة هي:
1. أن يكون الإمام مسلماً.. فلا تصح صلاة الكافر فضلاً عن إمامته، اتفق على ذلك العلماء.. فالكافر لا يقبل منه صرف ولا عدل، ولا يقبل منه عمل حتى يدخل في الإسلام كما قال –تعالى-:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران. وقوله: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}التوبة: 54.
ومن السنة حديث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. رواه مسلم.
2. أن يكون بالغاً مميزاً .. فلا تصح إمامة الصبي غير المميز باتفاق، وأما الصبي المميز فقد وقع فيه الخلاف على قولين؛ قول بالجواز وآخر بعدمه.
3. أن يكون القوم وراءه راضين عنه، ويخرج بهذا الشرط من أم قوماً وهم له كارهون، فقد اتفق الأئمة الأربعـة على أنه يكره أن يؤم المسلم قوماً وهم له كارهون، وذلك إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كأن يكون ظالماً، أو يعاشر أهل الفسوق، أو ينقص هيئات الصلاة ولا يكملها.. أما إذا كرهوه لغير ذلك، وهو مع ذلك ذو دين وسنة فلا تكره إمامته.
واشترط الشافعية أن يكون أغلبهم يكرهونه، أما إذا كرهه نصفهم فأقل فإن ذلك لا يؤدي إلى كراهة إمامته.
واستدلوا على ذلك، بأدلة، منها ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قال: (ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارعان) رواه ابن ماجه وابن حبان وهو صحيح. وروى نحوه الترمذي والبيهقي.
وهناك شروط اختلف فيها العلماء، من بينها الصلاة خلف الفاسق، ولعل السبب في كراهة العلماء للصلاة خلف الفاسق هو عدم الوثوق به في المحافظة على الشروط؛ أو لأن في تقديمه تقليلاً للجمـاعـة لكره بعض المصلين له، أما نزاعهم في صحة الصلاة خلف الفاسق ، والمبتدع فهو إذا كان الإمام فاسقا أو مبتدعا وأمكن أن يصلى خلف عدل . فقيل : تصح الصلاة خلفه وإن كان فاسقا .