من أعظم الأمور التي جبلها الله عز وجل فينا، هي المشاعر، ذلك أن أكبر حكمة من كل العبادات والمناسك في النهاية أنها تغذي وتوازِن هذه المشاعر.. إذ أنه حينما يتحدث رب خالق عن الذي سيرتد عنه بهذا الشكل: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ»، تكون النتيجة بكل تأكيد (يحبهم ويحبونه).
لكن لن يأتي هذا الحب أبدًا إلا بحبك لله عز وجل أولاً، ثم حبك للناس، ثم يكون حبك لنفسك بأن تبعدها عن طرق الشر، فالله عز وجل، إذا أحب عبدًا عصمه من النار وأدخله الجنة.
روى أنس رضي الله عنه قال: كان صبي على ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْقَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا فَسَعَتْ وَحَمَلَتْهُ وَقَالَتْ ابْنِي ابْنِي قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (لا وَلا يُلْقِي اللَّهُ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ).
الغاية الأولى
إذن لابد للعبد أن تكون غايته الأولى حب الله عز وجل، لأنه ببساطة إذا أحبنا الله عز وجل، أدخلنا الجنة ونجانا من حر النار، فليس كثرة المال علامة على حب الله للعبد، وإنما الحب يأتي في البركة في الحياة والمال والولد، وفي حسن الخاتمة.
فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب».
أيضًا من علامات محبة الله عز وجل للعبد المؤمن أن يحميه من فتن الدنيا وشهواتها، فالسعيد من ابتعد عن الفتن، فقد روى محمود بن لَبِيدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ».
اقرأ أيضا:
كيف تستعد ارمضان من الآن؟.. تعرف على أهم الطرق والوسائلعلامات الحب
فليس الفقر دليلاً على عدم الحب، ولا الغنى دليلا على الحب، وإنما هناك علامات أخرى للحب الإلهي، ففي رواية الترمذي أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ»، فبالمشاعر يزهد المرء على ما في يدي غيره، وإذا وصل إلى هذه الدرجة نال محبة الله عز وجل، وابتعد عن فتن الدنيا.
ولذلك عندما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ».