من أعجب العجب أن ترى البعض وقد أراد أن يدل الناس على طريق الله، ثم تراه أضل هو، وصحيح أن هداية البشر مقدرة، وهي بمشيئة الله عز وجل، فمن شاء الله أن يهديه هداه، ومن شاء أن يضله أضله، إلا أن للإنسان دور كبير، وهو إرادته ومجاهدته لنفسه، فإذا نجح في خطوة في ذلك، أدركه الله عز وجل في خطوات أخرى أكثر أهمية، وأعاد له نور الطريق الذي يريد، وهيأ له المراد حتى يرى ما لم يكن يراه من قبل، فيميل قلبه إلى معرفة الله عز وجل وحبه، فلا يضل عن الطريق أبدًا.
ذلك أنه بالأساس عرف الله خير المعرفة، وصدق فيما قال أو فعل، بينما آخر قال ولم يصدق فلم ينفعه قوله، ولربما كان يريد النصح لغيره بينما هو يريد من ينصحه: قال الله تبارك وتعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (البقرة: 44).
أسباب الهدى
أما من أهم أسباب الهدى ومعرفة طريق الله، فهو اتباع كل ما جاء به المولى عز وجل، سواء بالسير وفق الشرع ومقتضاه، أو البعد عن أي شيء يخالف هدى الله سبحانه وتعالى، أو طاعة الله في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: «قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 38).
وقال أيضًا سبحانه وتعالى: «قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُ مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى» (طه: 123)، إذن على المؤمن اتباع طريق الله عز وجل، ومجاهدة نفسه، ثم ستكون الهداية الكبرى، بالوصول إلى معرفة الله حق المعرفة، بينما من أعجب الناس من يعرف الله حق المعرفة ويدعو الناس لمعرفته، وينسى نفسه ومجاهدتها؟!.
الطاعة أولاً
بالأساس على المسلم أن يطيع الله عز وجل، وطاعته تأتي في طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يفعل ذلك بنية خالصة لله سبحانه وتعالى، وليس لأن يعجب به الناس، لأن الله يطلع على النوايا والأفعال، ويأخذ بها، وليس فقط بعض التصرفات التي قد تكون مبنية على التفاخر وفقط، قال تعالى: «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» (النور: 54).
فأخبر سبحانه وتعالى أن الهداية إلى المنهج القويم المؤدي إلى الفوز والفلاح في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه متعلق بالشرط فينتفي بانتفائه، وليس عليه إلا البلاغ والبيان. وقال تعالى: «قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» (المائدة: 15 ـ 16).
اقرأ أيضا:
الفرق بين الكرم والسفه.. بطون المحتاجين أولى