بعض الناس لا تتقرب من الله عز وجل شبرًا إلا بمبررات وأسباب يجعلها شرطًا لكي يطيع أي أمر من اوامر الله، فلا يصلي إلا بعد أن يجادل في أركان الصلاة وحركاتها وسكناتها وأذكارها، فلماذا نصلي العصر أربع ركعات ونصلي المغرب ثلاثة ونصلي الفجر اثنين؟، ولا يصوم إلا بعدما يجادل لماذا يجوع المسلم؟، ولماذا لا يجتمع المسلمون على تحديد موعد صيام رمضان، وماهو سبب أن نلتزم برؤية واستطلاع الهلال؟، طالما أن هناك من الأدوات العلمية التي تستطيع بسهولة أن تتحقق من موعد هلال رمضان في العالم كله، بدلاً من أن يتحرى كل بلد هلال رمضانه فتختلف أهلتنا؟، ولماذا نتصدق والله هو الرزاق وهو القادر على أن يجعل الناس سواسية في الرزق لا يحتاج أحد لأحد؟.
لا يكاد بعض الناس يعبد الله في شيء إلا ويحتاج منك ألف مبرر لتقنعه به، أو فلا داعي لهذه العبادة، فيتحول بك إلا ماهو أبعد من ذلك، فيحاول أن يحيد بعقله عن صحيح الدين، بأسئلة أخرى، من بينها: " لماذا لا يكون التصدق بثمن الأضحية افضل من ذبحها؟، ولماذا نوزع أموال العمرة والحج على الفقراء ونطوف حولهم بدلا من الطواف حول الكعبة؟، ولماذا لا نوزع زكاة رمضان مالا بدل من الحبوب؟، إلى أخره من الأسئلة التي لا تنتهي.
والجواب، في هذه القضية الشائكة، ينبع من القلب وما يطمئن به فؤادك، من ضرورة الانقياد والاستسلام لشرائع الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى خاطب العقل، وجاء القرآن منتصرا للمنطق والعقل والتدبر: " أفلا يعقلون.. أفلا يتدبرون".
اظهار أخبار متعلقة
الطاعة التامة لله
لكن مع العقل يوجد الإيمان، ويوجد الاستسلام لله، وطاعته بدون جدال، في السؤال عن الحكمة من شرائعه التي أنزلها على عباده، فقد تسأل لماذا حرم الله لحم الخنزير؟.. فيجيبك بعض الناس بأنه يأكل القمامة، ولكن ماذا لو أطعمت الخنزير من أجود الطعام فهل يحل لحمه لنا المسلمون؟!.. بالطبع لا لأن الحكمة الحقيقية من تحريم لحم الخنزير لا يعلمها إلا الله، وبالتالي علينا الانقياد لشرائع الله لطالما أمنا به واستسلمنا له عز وجل.
فالله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ويجب الانقيادَ التام لله تعالى، أمرًا ونهيًا واعتقادًا وقولًا وعملًا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله، يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع الله، متجردًا من حظوظ نفسه ونوازع هواه، يستوي في هذا الفرد والجماعة، والرجل والمرأة، فلا يكون عابداً لله من خضع لربه في بعض جوانب حياته، وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى.
قال الله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65] .
فلا يتمُّ إيمان العبد إلا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئونه، في الأنفس والأموال والأعراض، وإلا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له، وهذا كفر بواح، فإن ادعى صاحبه مع هذا الكفر أنه مؤمن فإنه منافق كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النساء:60-64].
فكل عملٍ صالح هو من شعائر الله، وكما عظَّم الله شعائره، وجب على المؤمنين تعظيمها؛ فقد عظَّم الله قرآنه ، قال تعالى : ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].
فهذا هو الإسلام بشرائعه، هو سبيل خالقنا، فيه أماننا وفيه سعادة حياتنا في الدنيا والآخرة.
وتعظيم شعائر الله تبارك وتعالى يقتضي أمورًا هي:
تعظيم الله تعالى، وما جاء عنه في كتابه الكريم، وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم حرماته وهي كل ما يجب احترامه، وتعظيم حرماته هو العلم بوجوبها، والإقرار بها، والقيام بحقوقها.
ومن تعظيم حرمات الله تعالى تعظيم المقدسات الإسلامية، وتعظيم الشعائر الدينية، وتعظيم المسجد الحرام، ومعرفة مكانته ومنزلته، وأنه أشرف البقاع على وجه الأرض، وأن الذنوب فيه أشد حرمة وأعظم من غيره، ويجب تعظيم شعائر الله {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، وتعظيم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأدب مع صاحبه، وعدم رفع الصوت على سنته؛ أو تقديم قول أحد من البشر على قوله.
والشعائر منها ما هو زماني، ومنها ما هو مكاني:
فالشعائر الزمانية الأشهر الحرم، وشهر رمضان، والشعائر المكانية منها الثلاثة المساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وبيت المقدس.
ولما كان المشركون يحرمون بعض الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي فيجعلون لها حرمة، وهي ليست من حرمات الله، بينما هم يعتدون على حرمات الله؛ فإن النص يتحدث عن حل الأنعام إلا ما حرم الله منها كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ }، وذلك كي لا تكون هنالك حرمات إلا لله؛ ولا يشرع أحد إلا بإذن الله؛ ولا يحكم إلا بشريعة الله.
قال تعالى :{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
وقال تعالى:{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}.
وفي حديث جَابِر رضي الله عنه قَالَ: "أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((نَعَمْ))".
والنصوص كثيرة بما يتبين من خلالها كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعظمون الشعائر، وكيف كانوا يحتفون بها، فشعائر الله تبارك وتعالى لا يعظمها إلا من عظم الله واتقاه، وعرفه تبارك وتعالى، وقدَّره حق قدره.