نعيش هذه الأيام في شهر رمضان، أيام الإحسان، والتي كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب فيها المسلمين على الإكثار من الإحسان إلى الغير، والفوز بفضل وثواب هذا العمل حتى ولو كنت فقيرًا لا تستطيع أن تتصدق على غيرك، خاصة وأن هناك من الفقراء من لا يستطيع أن يتصدق على غيره، فنصح لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعض الطرق التي تعوض فقرهم في النيل من ثواب العمل والإحسان في هذه الأيام المباركة.
خدمة الناس
ومن أفضل ما تشارك به في عمل الخير والإحسان إلى الغير، هو خدمة الناس، والتصدق عن صحتك، بشيئ من الجهد في عمل الخير وخدمة المسلمين، الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض لمرضهم أو لعجزهم، فكم في أرض الله من مرضى وعاجزين يحتاجون لمن يقدم لهم يد العون في هذه الأيام المباركة.
ودين الإسلام هو دين الإحسان إلى الناس، لذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أعظم الأعمال التي تنال من خلالها هذا الثواب العظيم، في الإحسان إلى الناس عمليًّا وقضاء حوائجهم، فمن كان في عون أخيه كان الله في عونه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من نفَّس عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)).
كلمات عظيمة ونصائح غالية، تفتح قلوب العباد لبعضهم بعضا، وتيسر لهم أحوالهم، وتنشر الحب والأخوة بينهم، فلا يوجد ميزان يزن عمل الخير وأثره في الدنيا والأخرة، إلا ميزان الله سبحانه وتعالى، الذي يعوض عمل الخير بالبركة بين الناس ونشر الحب فيعم الرخاء، وتنتهي المظالم، لذلك رغب النبي في معظم هديه على أبواب الخير من خلال السعي على مصالح الناس ورد مظالمهم.
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)).
يقول العلماء ((من كان في حاجة أخيه))؛ أي: في قضائها بالفعل أو بالتسبب.
وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مشى في حاجة أخيه، كان خيرًا له من اعتكافه عشر سنين، ومن اعتكف يومًا ابتغاء وجه الله جعل بينه وبين النار ثلاثة خنادق، كل خندق أبعد مما بين الخافقين)).
فقد يظن البعض أن الاعتكاف وكثرة الصدقة وحدهما هم من يدخلون الجنة، ولكن هناك أعمال أكثر فضلا وهي ما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال قضاء حوائج الناس، فهي لا يعادلها فضل، ولا يزيد عليها ثواب.
اقرأ أيضا:
وإن سألوك عن السعادة؟.. قل هذا مفتاحهاأفعال تضاعف لك الأجر في رمضان
حتى أبسط الأشياء منها فقد يزيد فضلها على ما سواها، فانظر لقول النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة المحتاج؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وتعين الرجلَ في دابته، فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه، صدقة)).. لهذا الحد حتى ولو لمجرد أن تعين الرجل على دابته وترفع له متاعه وهو شيئ بسيط لا يتجاوز بضع ثواني منن وقتك، إلا أن له ثواب عظيم لا يساويه ثواب أخر.
ومنها نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم في النفع المطلق؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: لدغتْ رجلاً منا عقرب ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، أرقيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل))، وهذا الحديث عام في كل ما ينتفع به، فمن استطاع نفع أخيه المسلم فعليه أن يفعل ذلك.
ومنها نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة الرجل لأصحابه، فقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم برجل يعالج طلمة - أي: خبزة، وهي التي تسميها الناس: الملة - لأصحابه في سفر وقد عرق وآذاه وهج النار، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يصيبه حرُّ جهنم أبدًا))، قال أبو عبيد: "والذي يراد من هذا الحديث أنه حمد الرجل على أن خدم أصحابه في السفر؛ يعني أنه خبز لهم".
ومنها ما دل عليه النبي صلى الله عليه وسلم في السعي على الأرملة والمسكين؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل)).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الإحسان إلى الأيتام وقضاء حوائجهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)) وقال بإصبعه السبابة والوسطى.
وفي الإصلاح بين الناس يقول صلى الله عليه وسلم: ((كل يوم تطلع فيه الشمس... قال: يعدل بين الاثنين صدقة))، ففيه ترغيب في الإصلاح بين الناس.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه: ((ألا أدلك على صدقة يرضى الله ورسوله موضعها؟))، قال: نعم يا رسول الله، قال: ((تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا)).
ومنها ما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الأخرق؛ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله، وجهاد في سبيله))، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمنًا وأنفَسُها عند أهلها))، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعًا أو تصنع لأخرق))، قال: فإن لم أفعل؟ قال: ((تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)).
ومنها البذل وإرشاد الضال، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من منح منيحة لبن أو ورق أو هدى زقاقًا، كان له مثل عتق رقبة))، ويعني بمنيحة الورق: قرض الدراهم، وقوله: ((أو هدى زقاقًا))، يعني به هداية الطريق، وهو إرشاد السبيل.