"حقك علي " مجرد كلمة بسيطة لكنها قد تمنع قتالا لا ينتهي، وتوقف خلافًا قد يطول لسنوات، وتمنع خصامًا يفرق بين الأخ وأخيه، والصاحب وصاحبه، والجار وجاره، فكأنها تقال (و الدنيا والعة فتهدأ الأمور في وقتها)، كالبلسم على الجروح، وكالماء على النار، وربما ينتهي الخلاف دون أي (زعل)، بمجرد أن الذي أمامك يشعر أنك (تشترى زعله) وتطيب خاطره ولن تتركه أبدًا يتعصب أو يغضب أو (يتفلق)، و تقول (حينما يهدأ أصالحه).
لكن بالعكس حينما يهدأ سيكون قد امتلأ قلبه بالضغينة والغضب، ما يزيد من حدة الخلاف، وحينها قد لا تفعل كل كلمات الدنيا أي شيء لإصلاح ما بينكما، بينما لو قلتها في وقتها (حقك عليا)، لانتهى الأمر تمامًا دون رجعة، ولأرضيته وكسبت وده، لأنه سيعلم مدى حبك وتقديرك له، ولن تتركه يضع التراكمات فوق التراكمات فيصعب حلها، وإنما تحل المسألة في وقتها ومنتهى السرعة.
أفضل من مليون أسف
فكلمة (حقك علي) في وقتها، قد تكون أفضل من مليون أسف بعدها حتى لو تأسفت لسنوات .. لأن الأمر إذا لم يقع في وقته يصبح بلا أي لزوم، ومع أن الاعتذار بهذا المعنى حسن وأمر جيد جدًا، فالأحسن منه أن تحذر من الوقوع فيما يجعلك مضطرًا للاعتذار.
جاء في الوصية الموجزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: «ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا»، فإن زلت قدمك مرة فإنه «لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة»، واعلم يقينًا أنه لن ينقص من منزلتك أن تعترف بخطئك، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يظن أنه لا ضرورة لتأبير النخل أشار بعدم تأبيرها، ثم قال بعد ذلك: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًا، فلا تؤاخذوني بالظن».
اقرأ أيضا:
مختلفة مع زوجي حول ضرب أولادنا لتربيتهم.. ما الحل؟قبول الاعتذار
أيضًا في المقابل، على الإنسان الذي يتم الاعتذار له، أن يقبل الاعتذار جدون زيادة، وأن يتلقى الأعذار بطيب نفس، وبالعفو والصفح، فإن سوء المقابلة للمعتذر وتشديد اللائمة عليه يجعل النفوس تصر على الخطأ، وتأبى الاعتراف بالزلل، وترفض تقديم المعاذير، فإن بادر المسيء بالاعتذار فبادر أنت بقبول العذر والعفو عما مضى لئلا ينقطع المعروف.
وهذا سواد بن عزية يوم غزوة أحد واقف في وسط الجيش فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش: «استووا.. استقيموا»، فينظر النبي صلى الله عليه وسلم فيرى سوادًا لم ينضبط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «استوِ يا سواد» فقال سواد: "نعم يا رسول الله"، ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي بسواكه ونغز سوادًا في بطنه قال: «استوِ يا سواد»، فقال سواد: "أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني!" فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه الشريفة وقال: «اقتص يا سواد». فانكب سواد على بطن النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّلها، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على هذا يا سواد؟»، قال: "يا رسول الله، حضرني ما ترى، ولم آمن القتل، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك»، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير.