يتضمن القرآن الكريم، فوائد بلاغية عظيمة ومتعددة، بل أنه لو ظل رجال اللغة العربية وكل المتخصصين اللغويين لسنوات ليقفوا على كل كبيرة وصغيرة بشأن البلاغة في القرآن، ما وصلوا إلى نهايتها، إذ أنه كلام الله عز وجل، ومن ثمّ ستجد في كل حرف بلاغة متعددة في حد ذاته.
قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (لقمان 27)، فالقرآن يتضمن (فصاحة القول، وفصاحة الألفاظ، وإحكام نُظمه، وانتظام دلالته، وفصاحة مفرداته، ومتانة نظمه، واستيفاء معانيه)، فقد بلغ القرآن الكريم، الطرف الأعلى من حُسن البيان، على الرغم من أشياء اجتمعت له، ولو عرضت لكلام مخلوق لنزلت به عن المكانة العالية إلى ما هو أدنى.
تعبير رباني
فلو وقفنا فقط على شيء ضئيل جدًا من بلاغة القرآن الكريم، والمتعلق بالنفي والنهي، سنجد إعجازًا ما بعده إعجاز، فلو سالنا أنفسنا: (لمَ عبر المولى سبحانه وتعالى بالنفي في قوله: « فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ » (البقرة:197)، ولم يعبر بالنهي فلم يقل:
(ولا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا؟)، ويجيب العلماء بالقول: "ذلك؛ لأن النفي أبلغ من النهي الصريح، فالنهي قد يعني أنه يمكن أن يحصل هذا الفعل، لكنكم منهيون عنه، أما النفي فيعني أن هذا الفعل ينبغي ألا يقع أصلًا، وألا يكون له وجود أبدًا، فضلاً عن أن يفعله أحد منكم أيها المسلمون، ومن ثم أدخل النفي على الاسم؛ لينفي جنس الفعل وأصله».. فقط حرف بسيط ويحتاج لشرح يملأ كتب عديدة.. نعم إنه القرآن وإعجازه الذي لا ينتهي ولن ينتهي أبدًا.
اقرأ أيضا:
انفجار الماء.. من نبي الله موسي إلى محمد خاتم الأنبياءفلننصت
من عجائب البشر، أنه إذا استمع إلى رجل بليغ في اللغة، أو يقول الشعر بشكل (طيب)، فإنه يقف متعجبًا منبهرًا، كأنه أُخذ من الأرض إلى السماء في لحظات، فكيف به يستمع إلى القرآن ولا يعجب من أقوال الله عز وجل، وهو في كل حرف بلاغة وإعجاز لا يمكن تكراره على الإطلاق.
إذن إذا سمعنا القرآن، علينا أن ننصت جيدًا، صدقًا سنصل لمرحلة من الإعجاب والإنبهار لم تحدث أبدًا من قبل.. فقد ترى البليغ من البشر يخوض في فنون من الكلام متعددة، فإذا هو يرتفع في فن ويسقط في آخر، بينما القرآن الكريم على طول أمده، وكثرة سوره، نزل متناسبًا في حسن بيانه كما قال تعالى: « اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا » (الزمر: 23)، ثم قال: « وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا » (النساء: 82).