ضرب الصحابة نماذج غريبة من الحب للنبي صلى الله عليه وسلم، حينما تفكر فيها، يصيبك الكثير من الدهشة، خاصة إذا كنت متسقًا مع نفسك وصادقًا في مشاعرك، فكما يقول السابقون: "اللي على البر عوام"، فقد تبالغ بالقول في حب النبي صلى الله عليه وسلم حينما أسألك : " هل تحب النبي"؟، فتجيبني على الفور بأفضل الكلام والمشاعر بل وأصدقها في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي مشاعر جعلها الله فطرة طيبة في قلوب المسلمين، بعد أن قذف الله عز وجل في قلوبنا هذا الحب، كرامة للنبي الكريم، ولكن الحب الذي نقصده هنا حب من نوع أخر لم يعرفه سوى الصحابة رضوان الله عليهم، حتى أنهم كانوا أسرى له يذوبون عشقا فيه، ويبذلون الغالي والنفيس من اجله، بل ويضحون بأبنائهم وأنفسهم مكان ذرة من هذا الحب.
فالصحابة هم فقط من عرفوا قوله الله تعالى: " قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍۢ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ".
عرفت الحب هنا
وانظر إلى قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حينما كان يسير بجانب النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي”، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ”. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: “فَإِنَّهُ الْآنَ، وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي”، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْآنَ يَا عُمَرُ” رواه البخاري.
فهل تساءلت بعقلك المحدود كيف ينبئ النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه عمر بأنه لن يؤمن حتى يكون أحب إليه من نفسه، فما الذي يدفع النبي لكي يطالب شخصا أن يكون أحب إليه من نفسه؟، ولماذا لم يتهم عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يريد أن يستأثر بحبه لنفسه وكأنه نوع من الأنانية، حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون من أهل هذه الصفات؟.
حينما تغوص في تفاصيل هذه الحادثة، وتدرك مع يدركه عمر رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فستعرف أن الحب هنا ليس من الأنانية في شيء لأنه حب الاتباع والشفيع الذي بشفاعته ستدخل الجنة، فالنبي حينما يدلك على هذا النوع من الحب، فهو يدلك على من يصل بك إلى الجنة، لأن الحب اتباع في المنهج، وصاحب المنهج واحد اختصه الله عز وجل من بين البشر لكي يجعل به طريق النجاة، فكيف لا تحبه أكثر من نفسك، وهو السبيل الوحيد لنجاتها.
وانظر إلى اﻟﺰُﺑﻴﺮ بن العوام حين ﺴﻤﻊ ﺑﺈﺷﺎﻋﺔ ﻣﻘﺘﻞ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم فخرﺝ ﻳﺠﺮ ﺳﻴﻔﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻕ ﻣﻜﺔ ﻭ ﻫﻮ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸَّﺮ، ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺳﻴﻔﻪُ ﺃﻭﻝ ﺳﻴﻒ ﺳُﻞَّ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ دفاعن عن النبي، وانظر ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺑﻨﻲ ﺩﻳﻨﺎﺭ ، ﺣﻴﻦ ﻳﺨﺮﺝُ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻭ ﺃﺑﻮﻫﺎ ﻭ ﺃﺧﻮﻫﺎ ﺇﻟﻰ موقعة ﺃﺣﺪ ﻓﻴستشهدون جميعاً في سبيل الله ﻭ ﻳُﻨﻌﻮﻥ ﻟﻬﺎ، ﻓﺘﺮﻯٰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم ﻓﺘﻘﻮﻝ : ﻛﻞ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﺑﻌﺪﻙ ﺟﻠﻞ".
وانظر ماذا فعل أبو بكر الصديق حينما شارك النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة، فأخذ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﻗﺒﻞ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻐﺎﺭ: "ﻭ ﺍﻟﻠﻪ ﻻﺗﺪﺧﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺃﺩﺧﻞ ﻗﺒﻠﻚ، ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺷﺊ ﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﺩﻭﻧﻚ "، و ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ : ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ، ﻓﺠﺌﺖ ﺑﻤﺬﻗﺔ ﻟﺒﻦ ﻓﻨﺎﻭﻟﺘﻬﺎ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻪ : "ﺍﺷﺮﺏ ﻳﺎﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ .. فشرب النبي حتى ارتويت".
اظهار أخبار متعلقة
لماذا نحب النبي صلى الله عليه وسلم؟
نحب النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه في المقام الأول هو حبيب الله، فكيف لا نحب نبيا أحبه الله وجعله حبيبه واصطفاه في هذه المنزلة التي لم يسبقه إليها أحد من الأنبياء، ؛ فمن أحب الله أحب كل ما أحبه الله، وأعظم محبوب من الخلق لله هو رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ” رواه مسلم. يعني نفسه صلى الله عليه وسلم.
نحب النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (سورة التوبة: 128).
نحب النبي صلى الله عليه وسلم لكمال نصحه لأمته، وعنايته بتعليمهم، حتى قيل للصحابة: “قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ” رواه مسلم. أي: حتى قضاء الحاجة.
نحب النبي صلى الله عليه وسلم، لكمال خلقه، ويكفينا في ذلك قول الله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم: 4].
نحب النبي صلى الله عليه وسلم اتباعا لنهجه، وكما قال ابن الجوزي مستشهدًا بقول مجنون ليلى: إذا قيل للمجنون ليلى تريـد أم الدنيا وما في طواياهـا؟ لقال غبار من تراب نعالها أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها.
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبينطريق الحب للنبي
أولا: كثرة الصلاة على النبي، قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب: 56].
وفي حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ”. قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: “مَا شِئْتَ”، قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ، قَالَ: “مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: “مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: “مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ” قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَالَ: “إِذن تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ.
ثانيا: قراءة سيرته صلى الله عليه وسلم.
قال السلف: “كانوا يعلموننا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلموننا الآية من القرآن”.
رابعا: الإيمان الصادق به - صلى الله عليه وسلم -، وتصديقه فيما أتى به: قال - تعالى -: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنٌّورِ الَّذِي أَنزَلنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ}[سورة التغابن]. وقال - تعالى -: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ}[سورة الأعراف].
خامسا: وجوب طاعته - صلى الله عليه وسلم -، والحذر من معصيته، قال تعالى: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوا عَنهُ وَأَنتُم تَسمَعُونَ}[سورة الأنفال]. وقال - تعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا...}[سورة الحشر].وقال - تعالى -: {فَليَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}[سورة النور]. وقال - تعالى -: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدخِلهُ جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ * وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدخِلهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[سورة النساء].
سادسا: اتباعه صلى الله عليه وسلم، واتخاذه قدوة في جميع الأمور، والاقتداء بهديه: قال - تعالى -: {قُل إِن كُنتُم تُحِبٌّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[سورة آل عمران].
سابعا: محبته - صلى الله عليه وسلم - أكثر من الأهل والولد، والوالد، والناس أجمعين: قال - تعالى -: {قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَآؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ, فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ}[سورة التوبة].
ثامنا: وجوب التحاكم إليه، والرضا بحكمه - صلى الله عليه وسلم -: قال الله - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ, فَرُدٌّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً}[سورة النساء]. {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا}[سورة النساء]. ويكون التحاكم إلى سنته وشريعته بعده، صلى الله عليه وسلم .