وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تبين أن قيام الساعة لا يكون إلا إذا نزع الخير من الأرض فلم يبق إلا شرار الناس.
ومن هذه الأحاديث ما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة إلا على شِرار الناس)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبَدَ اللّاتُ والْعُزَّى، فَقُلتُ: يا رسول الله إن كنتُ لأظن حين أنزل الله {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ}(الصف:9) أن ذلك تاماً (أي أن ملَّةَ الإِسلامِ ظاهرةٌ على الأَديانِ كلِّها)، قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم) رواه مسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث ريحاً من اليمن، ألين من الحرير (ألين مِنَ الحرير رِفقًا وإكراما لِلمُؤمِنين)، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضتْه (قبضت روحه وذلك عند قيام الساعة)) رواه مسلم، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله) رواه مسلم.
من هم شرار الخلق:
وبعدما تبين بالدليل أن الساعة لا تقوم إلا على الأشرار التي وصفتهم الأحاديث بأنهم شرار الخلق، يجد أن نقف مع صفات هؤلاء الأشرار فقد جاء فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ في أُمَّتي فَيَمْكُث أَرْبَعِين، لا أَدْرِي: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسى ابْن مَرْيَم كَأنَّه عُرْوَة بن مَسْعُود (في صورة عروة)، فيَطْلُبُه فيُهْلِكُه، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِين، ليسَ بيْن اثْنَيْنِ عَدَاوَة، ثُمَّ يُرْسِل اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِن قِبَلِ الشَّام، فلا يَبْقى على وَجْه الأرْض أَحَدٌ في قَلْبِه مِثْقَال ذَرَّةٍ مِن خَيْر، أَوْ إيمَانٍ إلَّا قَبَضَتْه، حتَّى لو أنَّ أَحَدَكُمْ دَخَل في كَبِدِ جَبَلٍ (وسطه وداخله) لَدَخَلَتْه عليه، حتَّى تَقْبِضَه، قال: سَمِعْتُهَا مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاس في خِفَّة (اضطراب) الطَّيْر وأَحْلَامِ السِّبَاع (عقول السباع الناقصة)، لا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لهمُ الشَّيْطَانُ، فيَقول: أَلَا تَسْتَجِيبُون؟ فيَقولون: فَما تَأْمُرُنا؟ فَيَأْمُرُهُم بعِبادة الأوْثَان، وَهُمْ في ذلك دَارٌّ (كثير) رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ في الصُّور).
ويعلق الإمام النووي على هذا فيقول: "(فَيَبْقَى شِرَار النَّاس فِي خِفَّة الطَّيْر وَأَحْلَام السِّبَاع) قال العلماء: معناه يكونُون في سُرْعَتهمْ إِلَى الشُّرُور وَقَضَاء الشَّهَوَات والفساد كطيران الطَّيْر، وفي الْعُدْوَان وَظُلْم بَعْضهم بَعْضاً في أَخْلَاق السِّبَاع العادية".
وبهذا يتبين أن صفات هؤلاء الأشرار كثيرة ومتعددة وأبرز صفاتهم أنهم لا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا وأن لديهم سرعة رهيبة في الاستجابة للباطل وقضاء الشهوات المحرمة والفساد في الأرض .
كثرة الهرج:
ومن الأحاديث التي بينت صفات شرار الخلق أيضا ما رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الدجال ويأجوج ومأجوج: (فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارُج الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة) رواه مسلم.
والهرْج كما يقول قال القاضي عياض هو الفتن في آخر الزمان. وقيل الهرج أيضاً: الاختلاط، ومنه قيل: فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة. والهرج أيضاً: كثرة النكاح.. وفى الحديث: (يتهارجون تهارج الحمر) يحتمل للمعنيين معا". وقال ابن حجر: "والذي يظهر أنه هنا بمعنى يتقاتلون". وقال العيني: "(يتهارجون تهارج الحُمُر) قيل: معناه: يتخالطون رجالا ونساء ويتناكحون مزاناة.. وقال الكرماني: إرادة القتل من لفظ الهَرْج إنما هو على طريق التجوز".
ومن ثم فالهرج قد يكون بمعنى انتشار الفتن بشتى صورها أو أنه فتنة كثرة القتل أو الاختلاط خاصة وما أكثرهما في زماننا أو أنها كثرة النكاح.