الفاروق عمر بن الخطاب، هو مضرب المثل في العدل، وفي رجل الدولة الذي وضع القوانين العامة، التي تخدم مصالح الدولة، فكانت خلافته مثالا يحتذى.

وحين رآه عثمان بن عفان وهو من العشر المبشرين بالجنة، ذات يوم يجري، فنادى عليه: «يا أمير المؤمنين.. يا أمير المؤمنين.. لم تجري هكذا؟!»، فقال عمر : «لقد شرد بعير من بعير الصدقة»، فقال عثمان: «تعال يا أمير المؤمنين إلى الظل وتناول كوبا من الماء البارد وسأرسل خادمي ورائها».. فقال الفاروق عمر بكل خوف ووجل: «دعني يا عثمان فأنا من سأسأل عنها أمام الله».. ثم تابع سعيه وراء الدابة، وقد خلع رداء الخلافة وهرع وراء الدابة بنفسه خوفًا من يوم الحساب، ليرد عثمان على هذا المشهد بقوله الشهير: «والله كم أتعبت الأمة من بعدك يا عمر».

سهره على راحة الرعية 

لم يكن عمر هذا الرجل الذي يعرف للنوم طعمًا ولا راحة إلا بعد أن يتابع أحوال الرعية لحظة بلحظة، وذات يوم كان رضي الله عنه يتجول متفقداً أحوال الرعية، وإذ بطفل يصدر أنيناً حزيناً، فاقترب من الدار وسأل عما به، فردت أمه: إني أفطمه يا أمير المؤمنين.


وهنا اكتشف عمر أن الأم فطمت طفلها قبل موعد الفطام لأن بيت مال المسلمين كان يدفع مائة درهم لكل طفل بعد الفطام، فرجع الفاروق إلى منزله وأصدر أمراً بصرف المائة درهم للطفل منذ الولادة وليس بعد الفطام، وهكذا تشكل قانون الطفل.


كما يروى أنه ذات مرة أوقفته امرأة من عامة الناس ترفض قانون تحديد المهر الذي صاغه أمير المؤمنين، فقابل الرفض بعدم كبرياء وقال قولته الشهيرة: «أخطأ عمر وأصابت امرأة»، ثم سحب قانونه وترك للمجتمع أمر تحديد المهور حسب الاستطاعة.

اقرأ أيضا:

"الزرع في الجنة"..أعرابي يضحك النبي

الحاكم العادل

أما من أعظم ما سنّ عمر من قوانين، فكانت حرية التعبير، إذ يروى أنه التقى ذات نهار بقاتل أخيه زيد، وكان القاتل قد أسلم وصار فرداً في رعيته، فقال له الفاروق غاضباً: والله إني لا أحبك!! .. فسأله القاتل: وهل سينقص ذاك من حقوقي يا أمير المؤمنين؟ قال: لا.. فقال القاتل: إنما تأسّى على الحب النساء!


وفي موضع آخر، شاهد عمر رضي الله عنه رجلاً عجوزاً ينقل الحجارة، فسأله: لماذا تقوم بهذا العمل الشاق؟ فأجاب: أنا رجل يهودي وعليّ دفع الجزية، فقال له: دفعت لنا الجزية بشبابك، والآن واجب علينا أن نتكفل بك، وصرف له راتباً شهرياً يكفيه، وهكذا تشكل قانون الضمان الاجتماعي.


أيضًا، يروى أن عمر رأى رجلا يأكل بشماله فقال له: كل بيمينك .. فأجابه الرجل: إنها مشغولة.. فقال له عمر: وما شغلها؟ .. فأجابه الرجل: أصيبت يوم مؤتة فعجزت عن الحركة!! فبكى عمر وهو يسأله: من يوضئك؟ ومن يغسل ثيابك؟ ومن يغسل رأسك؟ ومن ومن ومن .. ثم أمر له براتب وخادم وراحلة، وهكذا صدر قانون مصابي الحروب.