إنه الدكتور لبيب السعيد.. الرجل صاحب فكرة الجمع الصوتي للقرآن الكريم، كان يشغل منصب المراقب العام لمصلحة الاستيراد ومنتدبًا للتدريس أستاذاً بكلية التجارة جامعة عين شمس، لكنه كان له حلم سعى إليه كثيرا حتى تحقق.

كان يطمح د. لبيب بجمع صوتي للقرآن الكريم حتى لا يضيع أصوات هؤلاء القراء المميزين  ولا ينتفع اللاحقون بسماعه .. رواده هذه الفكرة كثيرا وبدأ بالفعل التسجيل للقراءات التي كان يقرأها القراء للإذاعة لكنه جهده الفردي لم يكن يستطيع إدراك الهم الهائل من القراء لذا عرض فكرته على وزير الأوقاف حينها وهو أحمد طعيمة الذي اقتنع بفكرته وبدأ تسجيل المصحف المرتل الذي يسمع إلى الآن على إذاعة القرآن الكريم.

كان د. لبيب مصرا على هذه الفكرة لما يرى فيها من نفع عام لجمهور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وبرغم أن الفكرة جديدة وقد يصحبها عقبات في التنفيذ فإنه كان مصرا عليها  فكان همه أن يُسجل القرآن الكريم على اسطوانات وأن يذاع في المحطات بروايات مختلفة ..وكان يرى د. لبيب أن الحاجة ماسَّة إلى هذه الوسيلة بالنسبة للدول الإسلامية غير العربية أمس الحاجة حيث ستساعد ناشئتها على حُسن تلقي القُرآن عبر الاستماع إلى كبار القُرَّاء المُتقنين، وانتشار القرآن بفضل هذه الوسيلة سيكون أوسع، وطلابه سيكونون أكثر، والمصحف المسموع سيكون سببا لزيادة توثيق العلاقات بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

وبعدما تمت الموافقة المبدئية على  الفكرة من الشيخ  شلتوت شيخ الأزهر، كم استحسنها وزير الأوقاف ترأس د. لبيب جمعية المحافظة على القرآن الكريم .. استُدعي كبار علماء القراءات مثل الشيخ عامر عثمان والشيخ عبد الفتاح القاضي وغيرهم للإشراف على المشروع .. اختارت اللجنة الشيخ الحصري لتسجيل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم .. وكانت اللجنة رغم دقة الشيخ وتميزه تستوقفه لتخرج الختمة كما ينبغي لها .. سجل الشيخ الختمة المرتلة دون أن يتقاضى جنيها واحدا .. سُجلت الختمة في البداية على اسطوانات من مصنع الفنان محمد فوزي الذي تنازل عن أجره وعن أرباحه من هذا المشروع رحمه الله و غفر له.

ويعد ١٨ سبتمر ١٩٦١  وبالتحديد الساعة السادسة صباحا يوما مشهودا ومحفورا في تاريخ إذاعة القرآن الكريم وهو تاريخ إذاعة أول تسجيل صوتي لمصحف المرتل حيث أذيعت أول تلاوة للمصحف المرتل بصوت الشيخ الحصري على إذاعة القاهرة، ثم توالت الختمات بصوت الأكابر: مصطفى إسماعيل والمنشاوي والبنا وعبد الباسط ..

وكان يرى د. لبيب رحمه الله أن يقوم على التلاوة علماء فن التجويد والقراءات، والقراء المهرة من أصحاب الأصوات الجيدة والأداء المتقن، وأن تختارهم لجنة لها خبرتها في القرآن الكريم وعلومه، يُشارك فيها الأزهر الشريف والهيئات العلمية واللُّغوية والثقافية، ورحب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر (رحمه الله) ، ودعا أشهر القراء والعلماء للبدء بالتسجيل، وهم الشيخ محمود خليل الحصري للتسجيل برواية حفص عن عاصم، والشيخ مصطفى الملواني للتسجيل برواية خلف عن حمزة، والشيخ عبدالفتاح القاضي رئيس لجنة مُراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، لتسجيل قراءة أبى جعفر برواية ابن وردان ، على أن يشرف على التسجيل.

 ومن جميل قدر الله أن يجتمع هؤلاء الخمسة في وقت واحد إذ أذن الله لهذا المشروع العظيم أن يكتمل .. فحُفظ القرآن وجُمع صوتيا كما جُمع أيام أبي بكر وعثمان .. وفي عام ١٩٨٨ توفي الدكتور لبيب السعيد قائد هذه الملحمة المباركة فرضي الله عنه ورفع درجته في عليين .