وصف الله نفسه بالحليم، وواجه بحلمه جهل عبيده من الناس الذين تعلو الشكوى ألسنتهم مرارا وتكرارا على أية حال من أحوالهم، سواء وسع الله عليهم وأنعم عليهم بالمالل والصحة أم ضيق عليهم رزقهم لحكمة يعلمها هو، ومع ذلك لا يستحي العبد أن يشتكي ربه للناس، ويتأفف من ضيق الرزق، الأمر الذي يحبط دعاءه، فقد يكون الضجر من محبطات العمل والدعاء، خاصة إذا ارتبط بما يكنه صدر المؤمن، من ضعف العقيدة، فالجاهل يشكو الله إلى الناس وهذا غاية الجهل بالمَشكُو والمَشكُو إليه ، المَشكُو كامل كمالاً مطلقاً ، والمشكو إليه ناقص وضعيف، شكوت الذي يرحم إلى الذي لا يرحم، وشكوت الكامل إلى الناقص، وشكوت الغني إلى الفقير، والقوي إلى الضعيف.
فهذا النوع من الناس، موجود وكثير ، يعبر لك عن نقمته على الله، وعن رفضه لقضاء الله وقدره.
يقولالله تعالى في سورة الجاثية: "﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.
فلو عرف المؤمن ربه لما شكاه إلى أحد ولو عرف الناس لما شكا إليهم شيئاً ، إن عرفت الله ما شكوته، وإن عرفت الناس لا تشكو الله إليهم أبداً، فكيف تشكو الله العزيز الكريم، إلى الإنسان البخيل اللئيم الذليل.
رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فاقته فقال : يا هذا والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك.
فمن جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس لا يشكو إلى الناس،، وكذلك من شكا نفسه إلى الله لم يشكِ أحداً، فالذكاء لا أن تشكو هؤلاء الناس إلى الله بل أن تشكو نفسك إلى الله لأن النبي صلىالله عليه وسلم يقول:" لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ".
ويقول الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير﴾[ سورة الشورى ].
وقال تعالى:﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[ سورة آل عمران ].
فمن يشكو الله إلى خلقه أحمق وغبي فالعقل والحكمة، أن تشكو نفسك إلى الله ، وتدعو: " يا ربي أصلح لي نفسي، يا ربي ارزقني موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك".
ماذا تفعل حينما تضيق الدنيا في وجهك؟
يقول الله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.[ سورة الأنفال ]
أول شيء تفعله إذا ضاقت الدنيا في وجهك، أن تتوجه إلى الحياة الحقيقية ، الحياة النافعة ، الحياة السعيدة ، الحياة الإنسانية وليست البهيمية، الحياة التي تليق بك، وينبغي أن تصبو إليها، والحياة التي تسعدك هي حياة استجابتك إلى الله .
فالصبر على ضيق الحال، هو خروج من الشهوة البهيمية إلى الارتقاء إلى الحياة العالية الأبدية، فالإنسان ليس حيوانا لا يهمه إلا الطعام والشراب والتناسل، فأخس حيوان يلتقي مع الأنثى وينجب، ويأكل ، ويشرب، و ينام ، لكن الإنسان يبتغي الحياة الطيبة، حياة من استجاب لله وللرسول ظاهراً وباطناً فهناك استجابة ظاهرية واستجابة باطنية ، والشيء الحقيقي أن تستجيب ظاهراً وباطناً وهذه هي الحياة.
اقرأ أيضا:
فضل الصلاة على النبي .. وأفضل الصيغ في هذافانظر كم من أغنياء شاردين غير مستقيمين، تضيق الدنيا بهم ذرعاً فهم أموات، رغم أناقة ثيابهم، ومركبتهم الفارهة وبيوتهم الفخمة، لكن لا يشعرون بسرور.
وانظر كم مؤمن فقير وسعيد يمتلك قلب كالصخر ، مع أن الطعام متواضع جداً ، والبيت متواضع، ولكن السعادة مصدرها حب وصلة وانشراح صدر من الله عز وجل.
لذلك يقول الله تعالى ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾[ سورة القصص ].
فأكمل الناس حياةً أكملهم استجابةً لرسول الله ، يعني أنت حي ، والحياة التي تليق بك بقدر استجابتك لرسول الله ، ولكن بالمناسبة فالله عز وجل ما قبل دعوى محبته إلا بالدليل ، والدليل طاعة رسول الله قال تعالى:﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾[ سورة آل عمران ].
قال بعض العلماء : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ.. يعني إذا دعاكم إلى الحق ، فما الحق ؟ هذه الكلمة وردت في كتاب الله مئات المرات، الحق هو الله ، يعني إذا دعُيت إلى الله ، دُعيت إلى طاعته ، دُعيت إلى محبته ، إلى جنته ؛ فالحق هو الله .
واعلم قوله تعالى :﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾[ سورة التوبة ].
فالمؤمن لا تزيده الأيام إلا راحةً واطمئناناً كلما ازداد عمره ازداد تراجعاً فلا بد من أن ينتبه لمآله، فالمؤمن هو تاجر ولكن غلته العمل الصالح مهما اشتغل فلا يتعب ، هدفه الله والدار الآخرة فكلما أقدره الله على عمل صالح يسعد أكثر ، كلما أجرى على يده عملاً صالحاً يسعد أكثر ، وكلما أعطاه الله واستغل عطاء الله يسعد أكثر ، والنبي صلى الله عليه وسلم تمنى أن يكون له مثل أحد ذهباً بشرط ألّا يبقى عنده أكثر من ثلاثة أيام ، بل ينفقه كله في سبيل الله.
فلا تشتكل الله إلى أحد، فالخواطر كلها في علم الله ، لذلك قال العلماء : أمة محمد أمتان أمة الاستجابة وأمة التبليغ ، فالذين استجابوا هم خير أمة أخرجت للناس علة هذه الخيرية تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، أما الذين لم يستجيبوا فهؤلاء أمة التبليغ ليس لهم فضل إطلاقاً على أي إنسان ، قال تعالى :﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾[ سورة المائدة ].
فلا تضجر من حياتك، وتتعجل الرزق، فالحياة الحقيقية ، التي تليق بالإنسان، هي حياة الاستجابة إلى الله ، أيْ حياة طاعة الله ، فأنت حي بقدر استجابتك و تنقص هذه الحياة بقدر نقص استجابتك لله عز وجل ، و إن استجبت لله عز وجل فأنت من أمة الاستجابة هذه خير أمة أخرجت للناس .
يقول تعالى﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[ سورة الأنفال ].
اقرأ أيضا:
أذكار وتسابيح كان يداوم عليها النبي كل صباح