لا يتصور ألا يقع المسلم في المعصية فكلنا ذوو خطأ ولا عصمة إلا لمن عصمه الله تعالى والأنبياء وحدهم المعصومون.
مجاهدة النفس:
لكن المسلم له طريقته الجميلة في التعامل مع المعاصي التي فهو لا يسلم لها بل يجاهد نفسه جها كبيرا ألا يقع فيها وهذا الجهاد محمود له ومأمور به: " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ...". وقال تعالى: الَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.
حال المسلم بعد المعصية:
كما أنه إن وقع في المعصية تراه يلوم نفسه ويعاتبها، ويظل حزينا ثم يسارع بالتوبة عملا بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ"؛ ولأن الله يحب التوابين، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"، وفي الحديث: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
اتبع السيئة الحسنة تمحها:
ومن الطرق الرائعة التي يحرص عليها بعض المسلمين أنه إن زلت قدمه للمعصية أتبع بذلك بعمل صالح يكافئ معيته رغبة في أن تمحو الحسنة السيئة عملا بقوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات.."، وبقوله صلى الله عليه وسلم اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. وفي الحديث ثلاث عبارات موجزة، في وصية جامعة من النبي ﷺ لصحابي جليل عزيز على نفس رسول الله ﷺ حبيب إليه، إنه معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه، وفي هذا يقول الشيخ محمد المنجد إذا تناول المريض شيئاً مضراً ماذا يفعل له الطبيب؟ يحاول استفراغ المادة الضارة، والتخلص من آثارها؛ ولذلك قال: اتبع السيئة الحسنة تمحها والذنب للعبد كأنه أمر حتم، والكيس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات ما يمحو بها سيئاته؛ ولذلك لو تساءل المسلم الذي سمع الحديث فقال: عجباً لماذا قدم ذكر السيئة على ذكر الحسنة؟ لماذا؟ قال: اتبع السيئة الحسنة ولم يقل مثلاً: أعمل الحسنة تمحو السيئة؟ لماذا ذكر السيئة قبلاً؟
ويضيف في مقال له على موقعه الرسمي: لا يخلو العبد من ذنب، وذكرها هنا مقصود، وذكر محوها هو المطلوب، وهو الموضوع فصار كأنه من باب قوله في حديث الأعرابي: صبوا عليه ذنوباً من ماء، لماذا لم يقل: صبوا الماء عليه، وقدم ذكر البول على ذكر الماء مع أن الماء أشرف وأطهر؟ صبوا عليه ذنوباً من ماء، وقال هنا: اتبع السيئة الحسنة؛ لأن المقصود والمطلوب والموضوع هنا محو السيئة، وليس تعداد فضائل الحسنات، ولا المقارنة بين السيئة والحسنة، وإلا لكانت الحسنة مقدمة على ذكر السيئة، ولكن لأن المطلوب -كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في شرحه لهذه الوصية الجامعة: "أن الموضوع الآن في هذا الحديث هو الكلام على تكفير السيئات ومحو الذنوب والأوزار، ولذلك قدم ذكرها؛ لأنه هو المطلوب هو المقصود" اتبع السيئة الحسنة تمحها..".