ولقد أوضحنا من قبل أن تقوى الله تقتضي أن تقوم بالأفعال التي تقينا صفات الجلال في الله، وأوضحنا أن الله قال: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } أي أن نفعل ما يجعل بيننا وبين النار وقاية، فالنار من متعلقات صفات الجلال. وهاهو ذا الحق سبحانه هنا يقول: { وَٱتَّقُواْ يَوْماً } ، فهل نتقي اليوم، أو نتقي ما ينشأ في اليوم؟ إن اليوم ظرف زمان، والأزمان لا تُخاف بذاتها، ولكن يخاف الإنسان مما يقع في الزمن.
لكن إذا كان شيء في الزمن مخيفاً، إذن فالخوف ينصب على اليوم كله، لأنه يوم هول؛ كل شيء فيه مفزّع ومخوف، وقانا الله وإياكم ما فيه من هول، وانظر إلى الدقة القرآنية المتناهية في قوله: { تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ }.
إن الرجوع في هذا اليوم لا يكون بطواعية العباد ولكن بإرادة الله. وسبحانه حين يتكلم عن المؤمنين الذين يعملون الصالح من الأعمال؛ فإنه يقول عن رجوعهم إلى الله يوم القيامة: { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ * ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 45-46]
ومعنى ذلك أن العبد المؤمن يشتاق إلى العودة إلى الله؛ لأنه يرغب أن ينال الفوز. أما غير المؤمنين فيقول عنهم الحق: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [الطور: 13]
إن رجوع غير المؤمنين يكون رجوعاً قسرياً لا مرغوباً فيه. والحق يقول عن هذا اليوم: { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }.