ما أحوجنا في ظل هذه الظروف القاسية لما نهون به علينا مصائب الدنيا، فمع مرارة الأيام وكثرة الابتلاءات تتعقد الأمور وتكثر الاحزان، وتتثاقل علينا الهموم كالجبال، فنقف أمامها عاجزين مكبلين.
ولكن مع اللطف الإلهي بنا، نجد أن الله عز وجل لم يتركنا وهمومنا، ولكنه عز وجل جعل لنا من كل ضيق فرجا ومن كل هما مخرجا.
ومن أسباب فك الكرب التي كشف عنها النبي صلى الله عليه وسلم، حينما جاء رجل يسأله عن فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فيما أخرج الترمذي في سننه من حيث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت». قال: قلت: الربع، قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك»، قلت: النصف، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك»، قال: قلت: فالثلثين، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك»، قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: «إذا تُكْفَى همَّكَ، ويُغْفرُ لك ذنبك».
اختلف العلماء حول معنى هذا الحديث النبوي، في القول: " أجعل لك صلاتي كلها؟ وإذا كان الصلاة بمعنى الدعاء فكيف يكون الدعاء كله للنبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يريد النبي صلى الله عليه وسلم تحقيق المنفعة لنفسه فقط بأن يكون الدعاء كله له؟.
فضل الصلاة على النبي
واتفق العلماء بعد البحث على دلالة هذا الحديث الشريف لما له من فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعظيم الثواب المترتب عليها، فمقصود السائل : يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به ، وأستجلب به الخير ، وأستدفع به الشر فكم أجعل لك من الدعاء ؟ قال : ما شئت . فلما انتهى إلى قوله: ( أجعل لك صلاتي كلها ) قال : إذا تكفى همك ويغفر ذنبك ، أو: إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك .
قال ابن القيم في جلاء الأفهام ص79.:”وسئل شيخنا أبو العباس عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وسلم فقال: إن زدت فهو خير لك فقال: له النصف فقال: إن زدت فهو خير لك إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها أي أجعل دعائي كله صلاة عليك قال: إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك، لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه بها عشرا ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه”.
وأضاف أن الصلاة على النبي صلى الله عليه سولم مشتملة على امتثال أمر الله تعالى وعلى ذكره وتعظيمه وتعظيم رسوله، وقد جاء في الحديث القدسي: «من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» ففي الحقيقة لم يفت بذلك الصرف شيء على المصلي، بل حصل له بتعرضه بذلك الثناء الأعظم أفضل ما كان يدعو به لنفسه، وحصل له مع ذلك صلاة الله وملائكته عليه عشراً أو سبعين أو ألفاً كما جاء بذلك روايات، مع ما انضم لذلك من الثواب الذي لا يوازيه ثواب.
فأيّ فوائد أعظم من هذه الفوائد، ومتى يظفر المتعبد بمثلها فضلا عن أنفس منها، وأنى يوازي دعاؤه لنفسه واحدة من تلك الفضائل التي ليس لها مماثل ببركته (ويغفر لك ذنبك) لأنه يبارك على نفسك بواسطته الكريمة في وصول كل خير إليك إذ قمت بأفضل أنواع الشكر المتضمن لزيادة الإفضال والإنعام المستلزمين لرضا الحق عنك ومن رضى عنه لا يعذبه.
اقرأ أيضا:
فضل الصلاة على النبي .. وأفضل الصيغ في هذاوعلى كل فلا إشكال في كون المراد بالصلاة هنا في الحديث: الدعاء، ومن جملته الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – (فكم أجعل لك من صلاتي؟) أي بدل دعائي الذي أدعو به لنفسي، أو أنا أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك؟ فكان جوابه أنك إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة علي كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، أي أعطيت مرام الدنيا والآخرة.
فاشتغال الرجل بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – يكفي في قضاء حوائجه ومهماته.
“ويغفر ذنبك”، أي في هاتين الخصلتين كفاية الهم ومغفرة الذنب جماع خير الدنيا والآخرة، فإن من كفاه الله همه سلم من محن الدنيا وعوارضها، لأن كل محنة لا بد لها من تأثير الهم وإن كانت يسيرة، ومن غفر الله ذنبه سلم من محن الآخرة؛ لأنه لا يوبق العبد فيها إلا بذنوبه.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا”.
وقال النبي :«إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً».
معنى الصلاة على النبي
ومعنى صلاة الله على النبي أي ثناؤه عليه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى؛ وقيل صلاة الله على خلقه تكون خاصة وتكون عامة فصلاته على أنبيائه هي الثناء والتعظيم وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء.
ونقل عياض عن بكر القشيري قال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة، وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]. والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه، في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى صلوا عليه ادعوا ربكم بالصلاة عليه.
و عن ابن عباس بإسناد صحيح قال لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار.
متى أمر الله المؤمنين بالصلاة على النبي؟
ذكر أبو ذر أن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كان في السنة الثانية من الهجرة وقيل من ليلة الإسراء.
اقرأ أيضا:
تشكو الله إلى الناس ثم تطلب منه؟.. لا تحبط دعاءك