يعد النوم بانتظام ولعدد ساعات كافية أهمية كبيرة في تحسين الصحة النفسية للمراهقين، وحمايتهم من أمراض الاكتئاب، حيث يمكن أن يجد المراهقون أحيانًا صعوبة في الاستيقاظ في الصباح، لكن ضمان حصولهم على قسط كافٍ من النوم قد يكون أمرًا حيويًا لصحتهم في وقت لاحق من الحياة.
فقد يستغرب الآباء من بقاء المراهقين في نومهم لوقت متأخر من الصباح، الامر الذي يدفعهم إلى توجيه اللوم إليهم، وجرهم من أقدامهم من الفراش، في الوقت الذي تشير فيه دراسات حديثة إلى أن النوم في مرحلة المراهقة مهم للصحة العقلية حاضراً ومستقبلاً.
وتقول الدراسة المنشورة على موقع "بي بي سي" إن نقص النوم الخطير أو النوم المضطرب بشكل خطير هو أحد الأعراض الأكثر شيوعاً للاكتئاب بين المراهقين. برغم كل ذلك، مهما كانت درجة النعاس الذي تشعر به، فإنه من الصعب أن تنام إذا كانت تؤرقك الشكوك أو المخاوف. فهذا ينطبق على البالغين أيضًا، حيث يشكو 92 في المئة من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب من صعوبات النوم.
وربما يكون الأقل توقعاً هو أن بعض المشاكل مع النوم قد تبدأ قبل الاكتئاب، مما يزيد من خطر مشاكل الصحة العقلية في المستقبل.
اقرأ أيضا:
في بداية التوقيت الشتوي. تجنب هذه العادات الضارة بالصحةوأضافت الدراسة التي أشرفت عليها فيث أورتشارد، وهي عالمة نفس في، أن البيانات الواردة من مجموعة كبيرة من المراهقين الذين تمت متابعتهم من سن جامعة ساسكس15 إلى 24 عامًا. فتبين أن أولئك الذين أبلغوا عن النوم بشكل سيء في سن 15، ولكن لم يعانوا من الاكتئاب أو القلق في ذلك الوقت، كانوا أكثر عرضة من أقرانهم للمعاناة من القلق أو الاكتئاب عندما بلغوا 17 أو 21 أو 24 سنة من العمر.
ويمكن أن تكون مشاكل النوم مع البالغين أيضا مؤشراً على الإصابة بالاكتئاب في المستقبل. وتوصل تحليل يقوم على البيانات المتغيرة لـ 34 دراسة، شملت فيما بينها متابعة نحو 150 ألف شخص على مدى فترة تتراوح بين ثلاثة أشهر و34 عامًا، أنه إذا كان الناس يعانون من مشاكل في النوم، فإن الخطر المتعلق بمعاناتهم من الاكتئاب في وقت لاحق من حياتهم قد تضاعف.
بالطبع، لا يعني ذلك أن كل شخص مصاب بالأرق سيصاب بالاكتئاب في وقت لاحق. فمعظم الناس لا يحدث معهم ذلك. إن آخر شيء يحتاجه المصابون بالأرق بالطبع، هو القلق بشأن ما قد يحدث لهم في المستقبل.
فمشاكل النوم المستمرة لدى المراهقين يجب أن يتم تشخيصها خشية أن تؤدي إلى مشاكل أخرى في وقت لاحق من الحياة
ولكن يمكنك أن ترى لماذا في بعض الحالات يساهم سوء النوم في سوء الصحة العقلية. فنقص النوم له آثار سلبية راسخة علينا، تشمل الميل إلى الابتعاد عن الأصدقاء والعائلة، وغياب الدافع والانفعال الزائد، وكلها يمكن أن تؤثر على جودة علاقات الشخص، مما يزيد من خطورة تعرضه للاكتئاب. علاوة على ذلك هناك عوامل بيولوجية يجدر أخذها بعين الاعتبار. فقلة النوم يمكن أن تؤدي إلى زيادة الالتهاب في الجسم، والذي له دخل في أمراض الصحة العقلية.
اقرأ أيضا:
للعاملين بالمنزل.. ابتعد عن العمل بهذه الغرفةويقوم الباحثون الآن بدراسة العلاقة بين اضطرابات النوم وغيرها من حالات الصحة العقلية.
وقد وجد عالم الأعصاب البارز في جامعة أكسفورد راسل فوستر أن هذا الرابط لا يحدث فقط في الاكتئاب. فاضطراب الإيقاعات اليومية- دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية - ليس شيئا غير مألوف بين الناس الذين يعانون مما يعرف بالاضطراب ثنائي القطب أو الفصام. وفي بعض الحالات، يمكن أن تصبح ساعة الجسم البيولوجية بعيدة جداً عن الانتظام حتى أن الناس يجدون أنفسهم مستيقظين طوال الليل ومستغرقين في النوم خلال النهار.
وحتى عندما تسبق مشاكل الصحة العقلية مرحلة اضطراب النوم، فإن قلة النوم قد تؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي يواجهها الشخص. في نهاية المطاف، ليلة واحدة فقط من الحرمان من النوم لها تأثير سلبي راسخ على المزاج والتفكير.
ومع ذلك، يمكن أن تنشأ مشاكل النوم وصعوبات الصحة العقلية من نفس الأسباب، كالأحداث المؤلمة أو السلبية على سبيل المثال. أو الإفراط في التأمل واجترار الذكريات أو العوامل الوراثية المختلفة. وقد ثبت أن الجينات المشاركة في مسارات السيروتونين وأداء الدوبامين تمثل عوامل تتسبب في كل من ضعف النوم والاكتئاب، مثلها مثل الجينات التي تؤثر على ساعة الإنسان البيولوجية (نظام اليل والنهار).
ومن الوارد أيضًا أن قلة النوم هي عبارة عن إشارة إنذار مبكر أكثر من كونها سببًا للاكتئاب اللاحق. إن القلق الذي يمنعك من النوم يمكن أن يكون في بعض الحالات أول عرض لأمراض صحة عقلية أكثر خطورة ستصيبك في المستقبل.
إن الحصول على نوم أفضل لن يحل بمفرده أزمة الصحة العقلية، بطبيعة الحال. ولكن هل يمكن أن يحدث فرقا على المدى الطويل؟ حتى لو لم يكن كذلك، كما يعرف المراهقون النُعّس، لا يوجد شيء أفضل من نومة جيدة في الليل، حتى لو كان النوم من أجل النوم فقط.