الدعاء مخ العبادة وهو جوهرها وفيه يتحقق استشعار معاني الألوهية والربوبية تجاه الخالق عز وجل، فيشعر العبد بفقره واحتياجه إلى الله اغني الوهاب الكريم الذي بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله.
والصلاة هي حديث العبد إلى ربه بما فيها من تقديس وتسبيح وحمد واستغفار وهو يقف بين يدي مولاه وخالقه سبحانه، ولهذا يكون الدعاء في الصلاة أوجب وأرجى، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء في سبعة مواضع بالصلاة وهي:
الأول: بعد تكبيرة الإِحرام في محل الاستفتاح.
الثاني: قبل الركوع وبعد الفراغ من القراءة في الوتر والقنوت العارض في الصبح قبل الركوع إن صح ذلك، فإن فيه نظراً.
الثالث: بعد الاعتدال من الركوع، كما ثبت ذلك في "صحيح مسلم" من حديث عبد اللّه بن أبي أوفى: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "سَمعَ اللَّه لمِنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، اللَّهُمَّ طَهِّرنِي بِالثَّلجِ وَالبَرَدِ، وَالمَاءِ البَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ".
الرَّابع: في ركوعه كان يقول: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي".
الخامس: في سجوده، وكان فيه غالب دعائه، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ رواهُ مسلم.
وعنهُ أنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يقُولُ في سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ذَنبي كُلَّهُ: دِقَّه وجِلَّهُ، وأَوَّله وَآخِرَهُ، وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّه"، رواهُ مسلم.
السادس: بين السجدتين.
السابع: بعد التشهد وقبل السلام، وبذلك أمر في حديث أبي هريرة، وحديث فَضَالة بن عبيد وأمر أيضاً بالدعاء في السجود.
وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك مِن هديه صلى الله عليه وسلم أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح، ولا حسن.
وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعل ذلك هو ولا أحدٌ من خلفائه، ولا أرشد إليه أُمّته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضاً من السنَّة بعدهما، واللّه أعلم. وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلَها فيها، وأمر بها فيها، وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه، يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلَّم منها، انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه، والإِقبال عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه؟! ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن ها هنا نكتة لطيفة، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته، وذكر اللّه وهلَّله وسبَّحه وَحَمِدَه وكبَّره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة، استحب له أن يُصلي على النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيبَ هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر اللّه، وَحَمِدَه، وأثنى عليه، وصلى على، رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استحب له الدعاءُ عقيبَ ذلك، كما في حديث فَضالة بن عبيد "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبدأْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيصلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ" قال الترمذي: حديث صحيح.
اقرأ أيضا:
فضل الصلاة على النبي .. وأفضل الصيغ في هذااقرأ أيضا:
تشكو الله إلى الناس ثم تطلب منه؟.. لا تحبط دعاءك