لا يمكن تصور خلق من الأخلاق الحميدة التي ترضاها الطباع الحسنة إلا والنبي صلى الله عليه وسلم حاز فيه السبق وكان يضرب له فبه المثل ولم لا وقد زكاه الله تعالى في خلقه حين قال: "وإنك لعلى خلق عظيم"، ومن هذه الأخلاق الحسنة النبل فما معنى أن يتصف النبي به؟ معنى النبل:
النبل ليس خلقا فريدا لكنه هو رأس الأخلاق وسيّدها؛ يتحلّى صاحبه بالشهامة والنجابة والقدرة على إسداء المعروف للغير، دون تمييز أو كلل أو تعب، كما أن صاحبه لا يبخل على محتاج، ولا يتوانى عن نصرة مظلوم، ولا يتأخر عن قضاء مصالح العباد، والشخص النبيل شخص محبوب بين الناس، يعدّونه من الشرفاء النافعين للأفراد ومجتمعاتهم. ويكفيه أنه في معية الله تعالى؛ فالنُّبْل سعي في حوائج الناس، ومن مشى في حاجة الناس جبرًا للخاطر نال معية الله في جوف المخاطر وبمجموع هذا يتصف الشخص بالنبل.
نبله صلى الله عليه وسلم:
من يتأمل سيرته صلى الله عليه وسلم يجها مثالا واقعيًا
للنبل في أفضل صوره وأزكى حالاته، فهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بعثته الشريفة يشهد (حلف الفضول) نصرة للمظلوم، وعملا على أخذ الحقوق لأصحابها ورد المظالم وإقامة العدل والقسط وفض المنازعات وغيرها من خلال الخير وصفات النبل، ومن نبله أيضا موقفه صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود حينما وضعه على ثوب، وأمر كل قبيلة أن تُمسك بطرفٍ من أطراف الثياب حسمًا للخلاف، وجبرًا لخاطرهم، وتجميعًا لهم، فلم يتردد في خدمتهم وعصمة دمائهم من أن تُسْفَك، مع كراهيته لما يقومون به من عبودية أصنام وحجارة حول الحرم، ومن نبله أنه ترك يوم الهجرة الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يبيت مكانه ليرد ودائع القوم وأماناتهم إليهم، حرصا على إعطاء كل ذي حق حقه برغم ما فعلوه به من أذى وتعذيب وحصار وتضييق ومطاردة ومحاولات قتلٍ وضيعةٍ له ولأصحابه وهذا قمة النبل منه صلى الله عليه وسلم، ومن عليه الصلاة والسلام- مع قومه الذين آذوْه وتسفَّهوا عليه، في يوم الطائف، قائلا لملَك الجبال –حين استأذنه أن يُهلك من آذوه وضربوه-، فقال له: (لا؛ فإني أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) فها هو يفكر في الذراري والأجيال القادمة، وهو عين
النُّبل الذي ينبغي في حق الدعاة الهُداة: استشراف المستقبل وطلب النجاة للبشرية، ومن نبله دعاء الرسول بالهداية لقومه في أشد مراحل دعوته صعوبة، قائلا: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)، وعفوه عن القوم يوم فتح مكة، قائلا لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، ومن نبله وفاؤه صلى الله عليه وسلَّم مع زوجه التي ماتت (خديجة) الاسم الذي عشقه، المرأة التي ما رُزق خيرًا منها، حتى يوم دخوله مكة فاتحًا، أرادوا له دارًا من دور المشركين فامتنع، قوال: (اضربوا لي خيمة عند قبر خديجة) أين منظمات العالم النسوية؟ لتنظر في شأن التكريم النبوي للزوجة حتى بعد مماتها.
مواقف رائعة للنبل:
والسيرة النبوية ملأى بما يقر العين من مواقف النبل المحمدي الذي يفيض حبا ووفاء وإكراما وبها أسر القلوب والعقول بطيب أخلاقه وسمح صفاته؛ فها هو
صلى الله عليه وسلم أنه طيّب خواطر الأنصار، الذين ربما وجدوا في أنفسهم شيئًا من عطاءاته للمهاجرين من الغنائم، فجمعهم وطيّب خواطرهم، وكان من بين ما قاله: ((ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون أنتم برسول الله؟ فوالذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سَلكَ الناس شِعبًا لسلكتُ شِعْب الأنصار)) ثم دعا للأنصار وأبنائهم وأبناء أبنائهم، وها هو يحلم على سفانة بنت حاتم الطائي يوم وقعت في الأسْر، وقد عفا عنها وأطلق سراحها، قائلا لأصحابه: ((خلّوا عنها فإنّ أباها كان يدعو إلى مكارم الأخلاق))، فلا خير فيمن لا يعرف لأهل الفضل فضلهم ولو كانوا على غير الإسلام.
كيف تكون نبيلا؟
وبعدما وقفنا مع عدد من مواقف
النبل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يمكن ان نستفيد بها ونغير بها أحوالنا مقتدين بخير البشر
صلى الله عليه وسلم بان ننصر المظلوم ونقيم العدل ونحفظ الجوار ونرد الظالم ونعفو ونصفح ونتجاوز عن المسيء وغيرها من صفات النبل أيضا يمكن أن نطلب الهداية للآخرين، وعدم التشفي بمصائب الناس، وأن نصنع المعروف في الناس وعدم التأخر عن مساندتهم، سيما عند الحاجة، ولو من غير أن تُعرف، وهذا هو عين النبل الإيجابي النافع، وأن نجبر خواطر الآخرين؛ خاصة في مواقف الفقد والألم، وأن نقف بجوار المظلوم ونصرته في موقف يطلب النصرة والإيواء، وأن نعف عما في أيدي الناس؛ كَانَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيّ يَقُولُ: "لا يَنْبُلُ الرَّجُلُ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ خَصْلَتَانِ: الْعِفَّةُ عَمَّا بِيَدِ النَّاسِ، وَالتَّجَاوُزُ عَمَّا يَكُونُ مِنْهُمْ"، وأن نحُبّ الخير للناس؛ كن صادقًا في محبته للآخرين، بتمنّي الخير لهم، وأن ترضى لهم ما ترضى لنفسك. وان نتعاون على الخير وننشره ونتغاضى عن الشر ونتجاوز عنه بهذا نكون قد تخلقنا بالنبل واتصفنا بصفة من سماء فضل النبلاء صلى الله عليه وسلم.