رغم أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم نشأ في مجتمع جاهلي يعبد الأوثان ويرتكب الموبقات والفواحش إلا أن الله عز وجل قد عصمه من كلذلك، فقد ولد مسلمًا مؤمنًا موحدًا فلم يسجد لصنم ولا حلف باسم وثن طوال حياته قبل بعثته.
لقد كره رسولالله صلى الله عليه وسلم - وهو لم يزل صبياً- عبادة الأصنام والأوثان، فلم يعظمهاأو يسجد لها، وما شارك قومه في عيد من أعيادها، ولا ذاق من لحوم قرابينها بل كانينفر منها، ويبغضها بغضاً شديداً، فقد استحلف ذات مرة وهو دون الثانية عشر من عمرهبأوثان قريش المعروفة في أيام الجاهلية، فأنكر عليه الصلاة والسلام ذلك بكل حزموقوة، ولم يكن الرسول الكريم في نشأته جارياً على المألوف في شباب الجاهلية منالإقبال على التهتك واللهو المبتذل والمباهج الآثمة، بل كان مجبولاً على السجاياالكريمة، والخصال الحميدة.
ففي شخصه الكريم عليه الصلاة والسلام تجمعت كل الفضائلالرفيعة والأخلاق الكريمة، فالخلق الصين، أصل في طبعه الشريف، ولم يحصل على هذهالصفات برياضة نفس، أو تهذيب أحد من البشر له، وإنما حصل على ذلك بجود إلهي تجلىفي سلامة فطرته ، وسمة غريزته، وطهارة نفسه واعتصامها بالفضيلة، وقد نشأ الرسول صلىالله عليه وسلم في قوم وثنيين، انتشرت بينهم الرذيلة فجعله الله أفضلهم مروءة،وأحسنهم خلقاً، وأصدقهم قولاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش، حتى عرف بينهمبالأمانة والصدق.
فلما صدع برسالة ربه ودعا قومه إلى التوحيد وهجر الفواحش ما ظهرمنها وما بطن، لم يستطع أحد منهم أن يجد في ماضي الرسول صلى الله عليه وسلم عيباًواحداً، مهما صغر يرميه به، وهم الذين عرفوه طويلاً، وخبروه ملياً فما رأوا منهغير عفاف النفس وطهر البدن.
لقد كان من عادة الرسول- عندما كان فتى يرعى الغنم لأهل مكة- أنيمعن النظر، ويطيل التفكير فيما حوله من ظواهر الوجود، وقد عاشر الناس على بصيرةمن أمره وأمرهم، فما وجده حسناً شارك فيه بقدر، وإلا عاد إلى متابعة النظر فيملكوت السماوات والأرض، وقد رأى أن يشهد الأعمال العامة التي اهتم بها قومه، لأنهلم يجد أي حرج في أن يشارك فيها إن كانت أعمال خير وصلاح
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة على دينقومه قط، بل هو مبرأ من ذلك صلوات الله وسلامه عليه، وقد ولد مسلماً مؤمناً، قالالعلامة السفاريني في لوامع الأنوارالبهية 2/305
لم يكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة علىدين قومه، بل ولد مسلماً مؤمناً، كما قال ابن عقيل وغيره، قال في نهاية المبتدئين: قال ابن عقيل: لم يكن صلى اللهعليه وسلم على دين سوى الإسلام ولا كان على دين قومه قط، بل ولد نبينا مؤمناًصالحاً على ما كتبه الله وعلمه من حاله ، بحسب "إسلام ويب".
وقال الحافظ ابن رجب في كتابه لطائفالمعارف: وقد استدل الإمام أحمد رضي الله عنه بحديث العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني عند الله في أمالكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته. رواه الإمام أحمد، وروي معناه من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، ومن وجوه أخر مرسلة، وخرج الحاكم أيضاً حديث العرباض، وقال: صحيح الإسناد - على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل علىالتوحيد مذ نشأ وردَّ بذلك على من زعم غير ذلك. قال الحافظ: بل يستدل بذلك على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبياً، فإن نبوتهوجبت له من حين أخذ الميثاق، حيث استخرج من صُلب آدم فكان نبياً من حينئذ، لكنكانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبياً قبل خروجه كمنيولى ولاية ويؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل فحكم الولاية ثابت له من حين ولايتهوإن كان تصرفه متأخراً إلى حين مجيء الوقت.
قال الحافظ: قال حنبل: قلت لأبي عبد الله - يعني الإمام أحمد رضي الله عنه - : من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دينقومه قبل أن يبعث ؟ قال: هذا قول سوء، ينبغي لصاحب هذه المقالة أن يحذر كلامه ولايجالس. قلت: إن جارنا الناقد أبا العباس يقول هذه المقالة. قال: قاتله الله، وأي شيء أبقى إذا زعم أن رسولالله صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وهم يعبدون الأصنام ؟ قال الله تعالىمخبراً عن عيسى عليه السلام: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6].
ثم قال الإمام أحمد رضي الله عنه: ماذا يحدث الناس من الكلام، هؤلاء أصحاب الكلام منأحب الكلام لم يفلح، سبحان الله لهذا القول، واحتج الإمام أحمد برؤيا أمه النور عند ولادته حتى أضاءت له قصور الشام، قال: وليسذلك عندما ولدت رأت ذلك. وقيل: وقبل أن يبعث كان طاهراً مطهراً من الأوثان، ثم قالالإمام أحمد: احذروا الكلام فإن أصحاب الكلام لا يؤول أمرهم إلى خير. أخرجه أبو بكر عبد العزيز في كتاب السنة.
قال الحافظ ابن رجب : ومراد الإمام أحمد الاستدلال بتقديم البشارة بنبوته من الأنبياء من قبل خروجه إلىالدنيا وولادته، وهذا هو الذي يدل عليه حديث العرباض. انتهى كلام الحافظ ابن رجب ملخصاً. وقد صرح فيه بنص الإمام أن النبي صلى الله عليه وسلم ولدعلى الإسلام. والله أعلم.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيرقوله تعالى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ [الشورى:52]. نقلاً عن القاضي عياض : والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك فيشيء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة، منذولدوا، ونشأتهم على التوحيد والإيمان، بل على إشراق أنوار المعارف ونفحات ألطافالسعادة، ومن طالع سيرهم منذ صباهم إلى مبعثهم حقق ذلك، كما عرف من حال موسى وعيسىويحيى وسليمان وغيرهم عليهم السلام، قال الله تعالى: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً [مريم:12]. قال المفسرون: أعطي يحيى العلم بكتاب الله في حال صباه،قال معمر: كان ابن سنتين أو ثلاث، فقال له الصبيان: لم لا تلعب ؟ قال: أللعبخلقت؟
إلى أن قال: وقد حكى أهل السير أن آمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولد حين ولد باسطاً يديهإلى الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، وقال في حديثه صلى الله عليه وسلم: لما نشأت بغضت إليَّالأوثان وبغض إليَّ الشعر، ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين فعصمنيالله منهما، ثم لم أعد. ثم يتمكن الأمر لهم، وتترادف نفحات الله تعالى عليهم، وتشرق أنوارالمعارف في قلوبهم حتى يصلوا الغاية، ويبلغوا باصطفاء الله تعالى لهم بالنبوة فيتحصيل الخصال الشريفة النهاية دون ممارسة ولا رياضة، قال الله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَأَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً [القصص:14].
و قال القاضي: ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحداً نبئ واصطفي ممن عرف بكفروإشراك قبل ذلك، ومستند هذا الباب النقل، وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمنكانت هذه سبيله، قال القاضي: وأنا أقول إن قريشاً قد رمت نبينا عليه الصلاة والسلام بكل ماافترته، وعيَّر كفار الأمم أنبياءهم بكل ما أمكنها واختلقته، مما نص الله عليه أونقلته إلينا الرواة، ولم نجد في شيء من ذلك تعييراً لواحد منهم برفضه آلهتهموتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه، ولو كان هذا لكانوا بذلك مبادرين،وبتلونه في معبوده محتجين، ولكان توبيخهم عمَّا كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركه آلهتهتم وما كان يعبد آباؤهم من قبل، ففي إطباقهم علىالإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلاً إليه، إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنهكما لم يسكتوا عن تحويل القبلة وقالوا: مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142]. كما حكاه الله عنهم.
إلى أن قال: وقوله في قصة بحيرا حين استحلف النبي صلى الله عليه وسلم باللات والعزى، إذ لقيهبالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي، ورأى فيه علامات النبوة فأخبره بذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسألني بهما، فوالله ما أبغضت شيئاً قط ب غضهما. فقال له بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ؟ فقال: سل عما بدا لك. وكذلك المعروف من سيرته عليه الصلاة والسلام وتوفيق الله له أنه كان قبل نبوته يخالف المشركين في وقوفهم بمزدلفة في الحج، وكان يقف هو بعرفة؛ لأنه كان موقف إبراهيم عليه السلام.
الرابعة: إذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في تأويل قوله تعالى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ [الشورى:52]. فقال جماعة: معنى الإيمان في هذه الآية: شرائع الإيمان ومعالمه. ذكره الثعلبي. وقيل: تفاصيل هذا الشرع، أي كنت غافلاً عن هذه التفاصيل. ويجوز إطلاق لفظ الإيمان على تفاصيل الشرع، ذكره القشيري ، وقيل: ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن، ولا كيف تدعو الخلق إلىالإيمان ، ونحوه عن أبي العالية ، وقال أبو بكر القاضي : ولا الإيمان الذي هو الفرائض والأحكام. قال: وكان قبل مؤمناً بتوحيده ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها قبل،فزاد بالتكليف إيماناً. ، وهذه الأقوال الأربعة متقاربة.
وقال ابن خزيمة : عنى بالإيمان الصلاة، لقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]. أي صلاتكم إلى بيت المقدس، فيكون اللفظ عاماً والمرادالخصوص.
قلت: الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمناً باللهعز وجل من حين نشأ إلى حين بلوغه، على ما تقدم، وقيل: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ أي: كنت من قوم أميينلا يعرفون الكتاب ولا الإيمان، حتى تكون قد أخذت ما جئتهم به عمَّن كان يعلم ذلكمنهم، وهو كقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُبِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48].
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبيناقرأ أيضا:
أول جمعة بالمدينة.. ماذا قال فيها النبي؟