لا يخلو إنسان من ذنب يعاوده لكنه ومع هذا مأمور بالتوبة والأوبة والرجوع إلى الله تعالى بقلبه وجوارحه وجوانحه حتى يقبله سبحانه.
شروط التوبة النصوح:
ولا يقبل الله توبة عبد مصر على الذنب إنما للتوبة شروط، أهمها:
-الندم على فعل المعصية، حتى يحزن على فعلها ويتمنى لو لم يفعلها.
-الإقلاع عن المعصية فورا، فان كانت في حق الله تركها، وإن كانت في حق المخلوق تحلل من صاحبها، ويكون ذلك بردها إليه أو بطلب المسامحة منه.
-العزم على أن لا يعود إلى تلك المعصية مستقبلا.
فإن تحقق هذه الشروط كشف الله عنك الغمة وأزاح وزر الذنب من على كاهلك وبصدقك تتبوأ منزلة عظيمة مع الله وبما توبة أحدكم عن ذنبه خير له من أعمال خير كثيرة فالله يغفر الذنوب، ويقبل التائبين، ويقيل عثرات المذنبين، وقد قص لنا القرآن الكريم أحوال التائبين؛ كتوبة أصحاب الرسول محمد، والذين تخلفوا عنه في غزوة العسرة، وصدقوا في توبتهم وندموا على تخلفهم حتى ضاقت عليهم أنفسهم، فقبل الله توبتهم. فلا يقنط أحد من رحمة الله تعالى، مهما بلغت ذنوبه، فرحمة الله وسعت كل شيء، وهو الذي يغفر ويقبل توبة من تاب.
تجديد التوبة:
وينبغي للعبد إن هو أذنب ان يتوب فإن ضعفت نفسه وذلت به قدمه يجدد توبته فكلما وقعت في ذنب أو معصية، والتوبة مقبولة -إن شاء الله- إذا استكملت شروطها، والله تعالى يغفر لك ما دمت تذنب وتستغفر وتتوب توبة نصوحاً، فإن الله يغفر لك قال سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طـه:82].
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ أَصَبْتُ فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ قَالَ رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي -ثَلَاثًا- فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ".
وفي الحديث بيان لرحمة الله ومغفرته بعبده، وليس فيه حث للعبد على المعصية، بل فيه زجر له عنها، إذ أن الرب الغفور الرحيم الذي أسبغ علينا النعم الظاهرة والباطنة، وستر عيوبنا عن الخلق -ونرجو أن يغفرها لنا يوم القيامة- يستحق منا الطاعة والعبادة لا المبارزة بالذنوب والمعاصي، كما أن الذنوب جراح، ورب جرح وقع في مقتل فتموت على ذنبك ومعصيتك دون أن تدرك التوبة، هذا بالإضافة إلى أن الذنوب إذا كثرت على القلب أفسدته وقسته، وجعلت بينه وبين التوبة حجاباً كثيفاً، فقد تطلبها في وقت فلا تجدها.
رفع الدرجات:
والتوبة الصادقة تكون سببا في كغفرة الذنب ورفع الدرجات وتبديل السيئات حسنات فإن من سعة رحمة الله، ولطفه بالعباد، أنه يغفر للتائبين، ويبدل سيئاتهم حسنات إذا أخلصوا في توبتهم، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-69-70].
ومما يحصنك منها مجالس الذكر، والرفقة الصالحة، والإكثار من الطاعات، واللجوء إلى الله أن يطهرك من المعاصي ويباعد بينك وبينها.