أنا فتاة عمري 28 سنة، تخرجت منذ أربعة سنوات، بدون عمل، بدون زواج.
كانت عندي أحلامًا تعانق السحاب، لكن ظروفي منعتني من كل شيء، فأول أحلامي كان الحصول على الدكتوراة، وبالفعل مشيت في هذا المشوار خطوات قدرها ثلاث سنوات متتالية ولم أنجح، إذ لم يكن لدي المال الكافي للمواصلة، كما مرضت أمي، فتوقفت لرعايتها برًا بها.
حلمي الثاني، كان الحصول على وظيفة، بمرتب جيد، وشاركت في مسابقات دون جدوى، فقررت القيام بمشروع صغير، وبدأت ولم أكمل أيضًا.
الآن، بعد هذه السلسلة من الإخفاقات، بدأت أشعر أنني غير راغبة في أي شيء، حتى الأنشطة البسيطة التي كانت تجلب لي السعادة، كعمل ملخصات لبعض دروس التاريخ، ورسم خرائط، لقد توقفت عن كل شيء رغبت بتعلم لغات واشتريت سيديهات، ومنزلة بعض الفيديوهات، ولم أتعلم، ثم رغبت بممارسة اليوجا، وكالعادة لم أمارسها، رغبت بالزراعة المنزلية، وتعلمتها، ولم أنفذها.
أشعر بأن هناك صعوبات كثيرة تحيط بي، أهمها أننا عائلة دخلها محدود جدًا، ولا يمكنني السفر والبحث عن عمل في منطقة أخرى، وعندما جربت سابقًا ، لم يتحمل أقاربي مكثي عندهم.
فكرت في الهجرة، لكنني امرأة وأهلي لن يوافقوا، أشعر أنني فاشلة في كل شيء، حتى عاطفيًا، لدرجة أنني أصد من أشعر برغبته في الزواج بي، هل أنا معقدة نفسيًا؟
نورة – الجزائر
الرد:
لا يا صديقتي أنت لست معقدة نفسيًا!
أنت بحاجة للتعرف على نفسك وأسباب معوقاتك، التي منها أجزاء رغمًا عنك وأخرى أنت مسئولة عنها.
الإحباط، الشعور بالإعاقة، التسويف لأجل غير مسمى، سرعة الملل بعد تحمس، الكسل، عدم وجود ارادة، أو ضعفها، وضعف التحمل ازاء التحديات، وعدم وجود مثابرة، ودأب، وعدم احترام قيمة الوقت، والعمر، والانجاز، ووجود هدف، والشعور باليأس، والتشاؤم، وصولًا للاضطراب والمرض النفسي، كالقلق، والوسواس، والاكتئاب، كل تلك السلوكيات يا صديقتي هي مما نرثه من خلال جينات قريبة أو بعيدة، وهو مما نكتسبه من البيئة القريبة المحيطة، المؤثرة، خاصة الوالدين.
إن هذا كله يكون في العمق منا، في "التكوين النفسي"، الخاص بنا، لدرجة تشعرنا بعدم استحقاق النجاح، والانجاز، والشعور بالخزي، والإحباط، والفشل، وفي الوقت نفسه لا ندرك وجود ذلك كله بداخلنا.
اقرأ أيضا:
أهلي يرفضون حبيبي.. ما المشكلة لو تزوجته رغمًا عنهم؟ما لمحته يا صديقتي هو صراعك الداخلي، وشعورك بالذنب، والخزي، والاحباط الشديد، وربما نتج هذا عن تحمسك لعمل أو فكرة ثم الاستغراق في التنفيذ، ثم تركها لأخرى وهكذا بلا تحقيق أي انجاز يذكر في أي منها.
أنت يا صديقتي محتاجة للجلوس مع نفسك، ومنحها وقت صادق، تستكشفين من خلاله ما يدور داخلك، وما الذي كان يدفعك لهذا السلوك الخاص بعدم اتمام أي عمل شرعت به، وهنا لا أتحدث عن ظروف خارجية، كمرض والدتك، ولكن ما هو خاص بك، ألم يكن من الممكن مثلًا رعاية والدتك والعمل وفق استطاعت في الدكتوراة وعدم تركها بالمرة كما فعلت؟!، أنت محتاجة للإجابة عن هذا السؤال بصدق لنفسك مع نفسك ومنهان وهكذا بقية الأعمال التي تركتها.
صديقتي.. أنت بحاجة "للخروج" من تصديق حالة أنك "فاشلة"، "لافائدة"، لن أنجز"، "لا أستحق"، " لدي صعوبات لن تحل"، فهذه
المساحة من الأفكار تمتص أي رغبة في النهوض من العثرات.
هذا الخروج يمكنه أن يحدث، فهو ليس مستحيلًا، وهناك وسائل مساعدة في ذلك كالالتحاق بمجموعات الدعم النفسي، أو سماع يومي لمادة علمية تسعدك على تغيير أفكارك هذه، أو الجلوس مع النفس في الطبيعة وتصفية الذهن من كل شيء حتى يعتدل مزاجك، والتفكير في أحلام وفق هذا المزاج "المعتدل"، فالمزاج المتعكر، متشائم، سلبي، يدعم الأفكار السلبية.
صديقتي.. أنت محتاجة لقبول نفسك، بشريتك، بحلوها ومرها، عتمتها ونورها، ميزاتها وعيوبها، قوتها وضعفها، نجاحاتها وفشلها، لا تكرهي نفسك بسبب فشلك ولا تكرهي فشلك، إذ منه تتعلمين.
صديقتي.. انظري للحياة بواقعية، فهي ليست فرح دائم، ولا استقرار دائم، ولا نجاح دائم، ولا صحة دائمة، الحياة ليست خطًا واحدًا هكذا، انظري لها من جديد النظرة الصحيحة ، الواقعية التي يتوازى فيها خط الصحة وخط المرض، خط الفرح وخط الحزن، اقبلي الحياة كما هي وليس بشروطك.
صديقتي.. لا تستجيبي لخداع "عقلك" لك، واغراؤه لك بالاستسلام للراحة، أو التسويف، والتأجيل، أو انعدام الفائدة، وتعاملي معه بشكل صحي، بأن تعطي جسدك الراحة المطلوبة حتى لا ترهقي ذهنيًا، وتجعلي هناك فواصل قصيرة من الراحة بين كل مهمة والتالية، ولا تنظري للعمل الذي تريدين القيام به من زاوية التعب والإرهاق والنكد والتكدير، وإن كان ضخمًا قسميه لأجزاء صغيرًا، فهذا التفتيت سيساعدك، وبذا ستكملين ما تشرعين في عمله، تعلمه، إلخ.
صديقتي.. لا تتعاملي مع نفسك بالغضب منها، والشدة، واحتقارها، واليأس منها، والرفض لها، بل الرفق، الرفق، والاحترام، والتقدير، والقبول، وعدم مقارنتها بغيرها، ولا التأثر اللاواعي بمن حولك سواء كانوا منجزين أو العكس.
صديقتي.. أنت بحاجة لتغيير حقيقي، وصدقيني، لو حدث هذا التغيير، سيغير الله ما بك وبظروفك، وحتى سلوكك التجنبي تجاه الرجال، والزواج، كل ذلك سيتغير، وبحسب المختصين، فإنه حتى "الجينات" تتغير مع هذا التغير الحقيقي!
نعم، تتغير الجينات الموروثة التي طالما نشعر تجاهها بقلة الحيلة، يحدث هذا عبر تفاعلات معقدة تسمى "ما فوق الجينية"، فالتغيير الحقيقي يغير من عمل خلايا المخ، فيقوي خلايا كانت ضامرة، ويعمل على تفعيل مواد كيمائية طبيعية، تجعل الخلايا العصبية تتواصل فيما بينها!
صديقتي.. دمت بخير.
اقرأ أيضا:
كثير النزوات العاطفية ولا أحب زوجتي وباق معها من أجل الأولاد.. ما الحل؟ اقرأ أيضا:
خطيبي يتجاوز ويلمس أجزاءً حساسة من جسدي ويغضب ويقاطعني عندما أرفض.. كيف أتصرف؟