قال الله عز وجل في كتابه الكريم "الحج أشهر معلومات" ..فما المقصود بهذه الشهور وهل يصح أداء مناسك الحج في شهر غير شهر ذي الحجة ؟
اختلف أَهْلُ العِلْمِ في تحديدِ أشْهُرِ الحَجِّ على أقوالٍ، أشهَرُها قولانِ:
القول الأوّل: أنَّ أشْهُرَ الحَجِّ هي: شوَّال، وذو القَعْدَةِ، وعَشْرٌ من ذي الحِجَّةِ، وهذا مَذْهَبُ الحَنَفيَّة ، والحَنابِلَة ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَف ، واختارَه الطَّبريُّ ، وابنُ تيميَّة ، وابنُ باز ، وبه أفتت اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ .
واستند هذا الفريق إلى قولُه تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ... البقرة: 197.
أنَّ ذلك من اللهِ خَبَرٌ عن ميقاتِ الحَجِّ، ولا عَمَلَ للحَجِّ يُعمَل بعد انقضاءِ أيَّامِ مِنًى، ومعلومٌ أنَّه لم يُعْنَ بذلك جميعُ الشَّهْرِ الثَّالِث، وإذا لم يكُنْ مَعْنِيًّا به جميعُه، صحَّ القَوْلُ بأنَّه عَشْرُ ذي الحِجَّةِ .
وكذلك عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((أشْهُرُ الحَجِّ: شوَّال، وذو القَعْدَةِ، وعَشْرٌ مِن ذي الحِجَّةِ)) .
و لأنَّ يومَ النَّحْرِ فيه رُكْنُ الحَجِّ، وهو طوافُ الزِّيارَةِ، وفيه رَمْيُ جَمرةِ العَقَبةِ، والحَلْقُ والنَّحْرُ، والسَّعْيُ والرُّجوعُ إلى مِنًى، وما بَعْدَه ليس من أَشْهُرِه؛ لأنَّه ليس بوقتٍ لإِحْرامِه ولا لأركانِه .
القول الثاني: أنَّ أشهُرَ الحَجِّ: شوَّال، وذو القَعْدَةِ، وشَهْرُ ذي الحِجَّةِ إلى آخِرِه، وهذا مذهَبُ المالِكِيَّة ، ونُقِلَ عن الشَّافعيِّ في القديمِ ، وبه قالت طائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ ، واختارَه ابنُ حزمٍ ، والوزيرُ ابنُ هُبَيرةَ ، والشَّوْكانيُّ ، وابنُ عُثيمين .
واستند هذا الفريق إلى أن قول اللهُ تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].
وأنَّ الآيَةَ عَبَّرَت بالجمْعِ (أشْهُر)، وأقَلُّ الجمعِ ثلاثٌ، فلا بدَّ من دخولِ ذي الحِجَّةِ بكمالِه .
كما أنَّ من أيَّامِ الحَجِّ اليومَ الحادِيَ عَشَرَ، واليومَ الثَّانيَ عَشَرَ، واليومَ الثَّالِثَ عَشَرَ، يُفْعَلُ فيها من أعمالِ الحَجِّ: الرَّمْيُ، والْمَبِيتُ، فكيف نُخْرِجُها من أشهُرِ الحَجِّ، وهي أوقاتٌ لأعمالِ الحَجِّ؟!، بحسب "الدرر السنية" .
كما أنَّ طَوافَ الإفاضَةِ مِن فرائِضِ الحَجِّ، ويجوز أن يكونَ في ذي الحِجَّةِ كُلِّه بلا خلافٍ منهم; فصَحَّ أنَّها ثلاثةُ أشْهُرٍ .
وكذلك لأنَّ كُلَّ شهرٍ كان أوَّلُه من أشهُرِ الحَجِّ كان آخِرُه كذلك .
واستندوا إلى قول اللهُ تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197].
وأنَّ معنى الآيةِ: الحَجُّ (حَجُّ) أشهُرٍ معلوماتٍ، فعلى هذا التقديرِ يكونُ الإحرامُ بالحَجِّ فيها أكمَلُ من الإحرامِ به فيما عداها، وإن كان ذاك صحيحًا .
وكذلك قَوْلُه تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقر: 196].وأنَّه متى أحرَمَ انعقَدَ إحرامُه؛ لأنَّه مأمورٌ بالإتمامِ .
بالإضافة إلى قَوْلُه تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: 189].
وأنَّ الألِفَ واللَّامَ في الْأَهِلَّةِ للعمومِ، فيقتضي أنَّ سائِرَ الأهِلَّةِ ميقاتٌ للحَجِّ .
و مِنَ أدلة السُّنَّةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((مِنَ السُّنَّةِ ألَّا يُحْرِمَ بالحَجِّ إلَّا في أشهُرِ الحَجِّ)) .
كما أنَّ التَّوقيتَ ضربانِ: توقيت مكانٍ وزمانٍ، وقد ثبت أنَّه لو تقدَّمَ إحرامُه على ميقاتِ المكانِ صَحَّ، فكذا لو تقَدَّمَ على ميقاتِ الزَّمانِ .
كما أنَّ الإحرامَ بالحَجِّ يصِحُّ في زمانٍ لا يُمكِنُ إيقاعُ الأفعالِ فيه، وهو شوَّال، فعُلِمَ أنَّه لا يختصُّ بزمانٍ .
القول الثاني: أنَّه لا ينعقِدُ إحرامُه بالحَجِّ قَبْل أشْهُرِه، وينعقِدُ عُمْرَةً، وهذا مذهَبُ الشَّافِعِيَّة ، وقولٌ للمالِكِيَّة ، وروايةٌ عن أحمدَ ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف ، واختارَه ابنُ عُثيمين .
واستندوا إلى قول اللهُ تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197].
وأنَّ ظاهِرَ الآيَةِ أنَّ ميقاتَ الحَجِّ في أشْهُرِه، فيجب انحصارُ الحَجِّ فيه، فلا يصِحُّ قَبلَه، ولو كان يجوز الإحرامُ للحَجِّ في سائِرِ شُهورِ السَّنَةِ لم يكن للآيَةِ فائِدَةٌ .
ومن أدلة السنة عن أبي الزُّبَيرِ قال: ((سُئِلَ جابرٌ: أُهِلُّ بالحَجِّ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ؟ قال: لا)) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((لا يُحْرِمُ بالحَجِّ إلَّا في أشْهُرِه؛ فإنَّ مِن سُنَّةِ الحَجِّ أن يُحْرِمَ بالحَجِّ في أشهُرِ الحَجِّ)) (38) .
كما أنَّ الإحرامَ نُسُكٌ من مناسِكِ الحَجِّ، فكان مُؤقَّتًا، كالوقوفِ بعَرَفةَ والطَّوافِ رابعًا: أنَّه ميقاتٌ للعبادَةِ فلا يصِحُّ قَبْلَه، كما لا تَصِحُّ الصَّلاةُ قبل ميقاتِها .
وكذلك أنَّ من التزَمَ عبادةً في وقتِ نَظيرَتِها انقلَبَتْ إلى النَّظيرِ؛ مثل أن يصومَ نَذْرًا في أيَّامِ رمضانَ، أو يُصَلِّيَ الفَرْضَ قبل وقْتِه، فإنَّه ينقلِبُ تطوُّعًا .
ومضت دار الإفتاء المصرية قائلة: والسعي والطواف ورمي الجمرات، كلها من أفعال الحج وتؤدى في أزمنة خاصة من شهور الحج وتحديداً في ذي الحجة. وليس معنى (شهور الحج) أن أفعال الحج كاملة تؤدى في أي شهر منها!! فالذي حدد المناسك المتتابعة للحج وأيامها المعروفة لدينا هو الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال (لتأخذوا عني مناسككم) وبالتالي فهو فعلٌ توقيفي من الرسول عليه الصلاة والسلام الموحى له من عند الله عز وجل، وبناء عليه ليس لنا إلا السمع والطاعة.
والله تعالى يقول (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب). وهذه عبادة والعبادات لا تعلل.