كان الكثيرون من وفود القبائل العربية تترد نفوسهم في قبول دعوة الدخول في الإسلام والإقرار بنبوة النبي عليه السلام، حتى تظهر لهم الحقائق المادية.
وكان الجارود العبدي قد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه سلمة بن عياض الأسدي، وكان حليفا في الجاهلية، وذلك أن الجارود قال لسلمة بن عياض الأسدي: إن خارجا خرج بتهامة يزعم أنه نبي، فهل لك أن نخرج إليه؟ فإن رأينا خيرا دخلنا فيه، فإنه إن كان نبيا فللسابق إليه فضيلة، وأنا أرجو أن يكون النبي الذي بشر به عيسى ابن مريم، وذلك أن الجارود كان نصرانيا قد قرأ الكتب.
ثم قال لسلمة: «ليضمر كل واحد منا ثلاث مسائل يسأله عنها، لا يخبر بها صاحبه، فلعمري لئن أخبر بها إنه لنبي يوحى إليه»، ففعلا ذلك.
فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الجارود: بم بعثك ربك يا محمد؟.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «بشهادة ألا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله، والبراءة من كل ند أو وثن يعبد من دون الله تعالى، وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة بحقها وصوم شهر رمضان وحج البيت، "من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد".
قال الجارود: إن كنت يا محمد نبينا فأخبرنا عما أضمرنا عليه.
فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنها لحظة من النوم، ثم رفع رأسه وتحدر العرق عنه.
فقال: «أما أنت يا جارود فإنك أضمرت على أنت سألني عن دماء الجاهلية وعن حلف الجاهلية وعن المنيحة، ألا وإن دم الجاهلية موضوع وحلفها مشدود، ولم يزدها الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام، ألا وإن الفضل الصدقة أن تمنح أخاك ظهر دابة أو لبن شاة.
وأما أنت يا سلمة فإنك أضمرت على أن تسألني عن عبادة الأصنام، وعن يوم السباسب وعن عقل الهجين، فأما عبادة الأصنام فإن الله تعالى يقول: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون".
وأما يوم السباسب فقد أعقب الله تعالى منه ليلة خير من ألف شهر، فاطلبوها في العشر الأواخر من شهر رمضان فإنها ليلة واضحة سمحة لا ريح فيها تطلع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها، وأما عقل الهجين فإن المؤمنين إخوة تتكافأ دماؤهم يجير أقصاهم على أدناهم أكرمهم عند الله أتقاهم» .
فقالا: نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله.
اقرأ أيضا:
غزوة السويق..محاولة بائسة من المشركين للثأر من هزيمتهم في بدر