توصلت دراسة حديثة إلى أن الأشخاص في الثلاثينيات من العمر قد يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة بالأزمات القلبية أو السكتات الدماغية حتى لو كان لديهم ضغط دم "طبيعي"، مما يؤكد الحاجة إلى خضوع الشباب لفحوصات منتظمة.
يعاني أكثر من 1.3 مليار شخص حول العالم من ارتفاع ضغط الدم. وهو السبب الرئيس للأزمات القلبية والسكتات الدماغية، لكنه غالبًا لا يُظهر أي أعراض.
ونتيجة لذلك، فإن ما يقرب من نصف الأشخاص مرضى ضغط الدم لا يعرفون أنهم مصابون بها إلا بعد فوات الأوان، في الوقت الذي ربطت فيه الدراسات الحديثة بينه وبين الفشل الكلوي وحتى الخرف. لكن إذا تم اكتشاف هذه النتائج مبكًرا، فمن الممكن الوقاية منها.
اكتشف خبراء في جامعة لندن أن الأشخاص الذين لديهم ضغط دم "طبيعي ولكن مرتفع" في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر يعانون من انخفاض تدفق الدم إلى القلب بحلول سن 77 عامًا، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية الكبرى.
وبحسب الدراسة، كلما قضى الأشخاص وقتًا أطول مع ارتفاع ضغط الدم غير المنضبط، وكلما ارتفع بشكل حاد، زاد احتمال إصابتهم بأزمة قلبية أو سكتة دماغية أو قصور في القلب في وقت لاحق من حياتهم.
قال الدكتور جابي كابتو، استشاري أمراض القلب في مستشفى رويال فري في لندن، ومؤلف الدراسة: "إن الزيادات الصغيرة المستمرة في ضغط الدم خلال مرحلة البلوغ، حتى لو كانت قراءتك "طبيعية ولكن مرتفعة"، يمكن أن تلحق الضرر بالقلب بهدوء، قبل وقت طويل من ظهور الأعراض".
وأضاف: "لقد وجدنا أن ضغط الدم في الثلاثينيات من العمر يمكن أن يؤثر على القلب بعد أربعين عامًا. قلوبنا تتذكر عقودًا من التعرض لارتفاع ضغط الدم. لذا، يجب أن تبدأ حماية صحة القلب منذ الصغر، قبل أن يبدأ ضغط الدم بالارتفاع تدريجيًا"، وفق ما ذكرت صحيفة "ديلي ميل".
انخفاض تدفق الدم إلى القلب
وخلال الدراسة التي دعمتها مؤسسة القلب البريطانية ونشرت في مجلة "سيركيوليشن: كارديو فاسكولار إميننج"، تابع الباحثون 505 مشاركين من دراسة المسح الوطني للصحة والتنمية، الذين ولدوا في مارس 1946، على مدى 40 عامًا، وقاموا بقياس ضغط الدم لديهم على فترات منتظمة.
وأظهرت النتائج ارتباط ارتفاع ضغط الدم في سن 36، 43، 53، 62، 69 و77 عامًا على التوالي بانخفاض تدفق الدم إلى القلب في وقت لاحق من الحياة، مما يزيد من خطر الإصابة بالأزمات القلبية أو السكتة الدماغية.
وارتبطت كل زيادة قدرها 10 نقاط في ضغط الدم الانقباضي بين سن 36 و69 عامًا بانخفاض يصل إلى ستة في المائة في تدفق الدم إلى القلب عند سن 77 عامًا.
وضغط الدم الانقباضي هو الرقم الأعلى في قراءة ضغط الدم، ويشير إلى الضغط الذي يضخ به القلب الدم في جميع أنحاء الجسم. أما ضغط الدم الانبساطي، فهو الرقم الأدنى، ويمثل الضغط عند راحة القلب بين النبضات.
ويعتبر ضغط الدم الطبيعي ما بين 90/60 ملم زئبق و120/80 ملم زئبق. لكن التأثير الأكبر كان لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 43 و63 عامًا، عندما ارتفع ضغط الدم الانقباضي لديهم من 120 إلى 140 ملم زئبق.
في هذه المرحلة، ارتبط كل زيادة قدرها 10 نقاط في ضغط الدم بانخفاض يصل إلى 12 في المائة في تدفق الدم إلى القلب في وقت لاحق من الحياة.
وأوضح الدكتور كريستيان توبريسانو، زميل الدكتوراه في جامعة لندن والمؤلف الرئيس للدراسة: "ليس فقط مدى ارتفاع ضغط الدم، ولكن أيضًا مدى سرعة ارتفاعه بمرور الوقت، هو ما يتنبأ بمدى قدرة الدم على التدفق إلى القلب في سنواتك اللاحقة".
وتوصل باحثون إلى أن الأشخاص الذين ظل ضغط دمهم مرتفعًا باستمرار منذ سن 36 عامًا كانوا أكثر عرضة بنسبة 33 في المائة للإصابة بحدث قلبي وعائي كبير.
وكان هذا هو الحال حتى عندما تم أخذ المتغيرات المربكة مثل العمر والجنس ومؤشر كتلة الجسم ومستويات ممارسة الرياضة وعادات التدخين والشرب في الاعتبار.
حتى الأشخاص الذين كان ضغط دمهم تحت السيطرة بشكل جيد في سن 77 عامًا رأوا آثارًا سلبية قال الباحثون إنها ناجمة عن ارتفاع ضغط الدم غير المنضبط في سن أصغر.
وقال الدكتور توبريسانو: "وهذا يمنح الأطباء طريقة جديدة للتفكير في المخاطر - من خلال النظر إلى مسارات ضغط الدم، وليس مجرد قراءات لمرة واحدة".
وأضاف أن "اكتشاف هذه التغييرات ومعالجتها في وقت مبكر يمكن أن يساعد الأطباء في اكتشاف الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية وقصور القلب في وقت لاحق من الحياة".
الحفاظ على المعدل الطبيعي لضغط الدم
في الوقت الحالي، يُنصح الأشخاص بالبدء في تناول الأدوية لعلاج ارتفاع ضغط الدم فقط إذا كانت قراءتهم الانقباضية أعلى من 140 ملم زئبق - أو 130 ملم زئبق لأولئك الذين يعانون من أمراض القلب الموجودة مسبقًا.
لكن الخبراء يقولون إن التحكم في ضغط الدم منذ سن مبكرة والحفاظ عليه أقل من 120 ملم زئبق قد يكون أمرُا حاسمًا في الحفاظ على صحة القلب الجيدة في وقت لاحق من الحياة.
ويأمل الباحثون في بدء التجارب السريرية، وقياس ضغط الدم لدى المشاركين من سن 18 عامًا لمعرفة ما إذا كان وصف العلاج عند ظهور أولى علامات ارتفاع ضغط الدم يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالأزمات القلبية أو السكتة الدماغية.
وخلص الباحثون: "لقد أثبتنا أن التحكم في ضغط الدم مدى الحياة هو استثمار في صحة القلب مع التقدم في السن. لذا، يجب أن تبدأ حماية صحة القلب منذ الصغر".
وقال البروفيسور برايان ويليامز، كبير المسؤولين العلميين والطبيين في مؤسسة القلب البريطانية: "تشير هذه الأبحاث المثيرة للاهتمام إلى أنه ينبغي لنا تشجيع الناس على إجراء فحوصات منتظمة لضغط الدم منذ سن مبكرة، عندما يكون من الأسهل بكثير السيطرة عليه".
وأضاف: "يجب أن يدفعنا هذا أيضًا كأطباء إلى إعادة النظر فيما إذا كان ينبغي لنا أن نوصي بتغييرات مبكرة في نمط الحياة أو تناول أدوية لإعادة ضغط الدم إلى السيطرة على حالما يصبح مرتفعًا، لتوفير فوائد صحية على المدى الطويل".
وعلى الرغم من أن ارتفاع ضغط الدم لا يسبب عادة أي أعراض، إلا أن تناول الأدوية يمكن أن يساعد في منع المضاعفات مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية ومشاكل الكلى.
تعمل الأدوية، مثل الأملوديبين وراميبريل، بطرق مختلفة على خفض ضغط الدم من خلال استهداف أجزاء مختلفة من الجهاز القلبي الوعائي.
وتوصي هيئة الخدمات الصحية الوطنية ببريطاتيا أيضًا بأن يمارس البالغون ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط الهوائي متوسط الشدة، مثل ركوب الدراجات أو المشي السريع أو الركض، أسبوعيًا، إلى جانب التغييرات الغذائية وغيرها من التغييرات في نمط الحياة لتقليل ضغط الدم.